الرصيد الوثائقي والسمعي البصري الذي قامت بتجميعه لدى مزودين خواص ومن المحتمل أن تكون جهة أجنبية جدلا واسعا خاصة في صفوف عديد المنظمات والهيئات الوطنية وكذلك المجتمع المدني الذين أجمعوا بان هذه الفكرة غير مقبولة ومخالفة للقانون والدستور، لما فيه من خطر على المعطيات الشخصية للضحايا، علما وان الفصل 68 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية ينصّ على أن « تختتم أعمال الهيئة بنهاية الفترة المحددة لها قانونا وتسلم كل وثائقها ومستنداتها إلى الأرشيف الوطني أو إلى مؤسسة مختصة بحفظ الذاكرة الوطنية تحدث للغرض».
النصّ التشريعي واضح وصريح إذ لم يترك للهيئة إلاّ خيارين اثنين لا ثالث لهما فإمّا أن تسلّم موروثها للأرشيف الوطني وإمّا إلى هيكل يحدث للغرض ولكن هيئة الحقيقة والكرامة يبدو انها تفكّر في اللجوء إلى جهة أجنبية من خلال مناقصة دولية .
ماذا يحدث؟
أفاد عضو هيئة الحقيقة والكرامة ونائب رئيس لجنة حفظ الذاكرة صلاح الدين راشد خلال ندوة وطنية عقدها الأرشيف الوطني حول موضوع أرشيف الضحايا: أداة للمصالحة وجزء من الذاكرة الجماعية» أن القرار بخصوص طلب العروض محلّ الجدل لم يتم الحسم فيه بعد مضيفا أن هذه المسألة إدارية بحتة هذا وأوضح ذات المصدر أنه نظرا للحجم الكبير للوثائق السمعية البصرية فإن تخزينها يتطلب منصات تخزين كبيرة وتقنيات خاصة».هذا التصريح يفتح الباب إلى طرح أكثر من سؤال هل القوانين أصبحت مجرّد حبر على ورق تستعمل حسب الرّغبات وترمى متى أردنا تسيير الأمور بالأهواء؟ وهل تونس لا تملك مؤسسات بتلك المواصفات التي يتحدث عنها عضو الهيئة حتى نلتجئ إلى الأجنبي؟ من جهة أخرى أيضا فهل المؤسسة الأجنبية التي سيحال إليها أرشيف الهيئة ستؤدي الخدمة (على رحمة الوالدين) ؟من المؤكد لا وهل وضع البلاد يسمح بدفع أموال طائلة مقابل حفظ أرشيف الضحايا خارج تونس؟ .حول هذا الموضوع علّق أحد المتابعين للشأن فقال «تسليم الموروث لمؤسسة أجنبية هو تفريط في السيادة التونسية علاوة على أنه سيكلف المجموعة نفقات سنوية دائمة. «كلاود مايكروسوفت» ليست مؤسسة خيرية فهي «تحفظ» المعطيات مقابل أموال طائلة ووصف الأمر بقمة اللامنطق»
«معطيات شخصية في خطر»
لئن ترى هيئة الحقيقة والكرامة أن الأرشيف الذي بحوزتها يتطلب تقنيات خاصة لا تملكها تونس وفق تقديرها فإنها يبدو أنها لم تفكّر أيضا في مضمون ذلك الارشيف الذي يحتوي على معطيات شخصية هامة وحساسة ويمكن أن تكون في خطر ،في هذا السياق قال محمد الهادي الوسلاتي عضو قار بالهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية إن «تخزين أرشيف الهيئة لدى جهة أجنبية يتعارض تماما مع ما جاء في الفصل 24 من الدستور مضيفا أن هذا الإجراء يتعارض مع ما نصت عليه القوانين التونسية بما في ذلك قانون العدالة الانتقالية،كما أن 90 بالمائة من أرشيف الهيئة يتعلق بمعطيات شخصية حساسة على غرار المعطيات المتعلقة بالجرائم والوضعية الجزائية للضحايا وحالتهم الصحية» وأشار إلى وجود شركات تونسية خاصة وعمومية قادرة على القيام بمهمة تخزين الأرشيف وتوطينه دون اللجوء إلى الأجنبي.من جهته اعتبر رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة عماد الحزقي أن حفظ أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة لدى جهة أجنبية مسألة غير مقبولة بالنظر لكونها شأنا وطنيا بالأساس ووصف قرار هيئة الحقيقة والكرامة بتخزين أرشيفها لدى جهات أجنبية عند انتهاء عهدتها بالمفاجئ وغير القانوني، مشيرا إلى أن طلب العروض الذي أعلنته الهيئة أرسى مبدئيا على شركة أمريكية مطالبا أجهزة الدولة باتخاذ القرار المناسب
تخوّف من «تسريب الأرشيف»
عبر المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني خلال الندوة الوطنية التي نظمها عن خشيته من توطين أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة لدى مؤسسات خاصة أو منصات تخزين أجنبية خاصة وأن الهيئة قد تسلمت جزءا كبيرا من الوثائق من مؤسسة الأرشيف الوطني،هذا وأعرب الهادي جلاب عن تخوفه من إمكانية تسريب ذلك الأرشيف واستغلاله لأمور لا علاقة لها بالعدالة الانتقالية على حدّ تعبيره، وقد أكّد أيضا على رفض مؤسسة الأرشيف الوطني تسليم أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة إلى مؤسسة خاصة في تونس أو خارجها رفضا قاطعا داعيا إلى إحالة كامل هذا الأرشيف بعد انتهاء عهدة الهيئة إلى مؤسسة تابعة للدولة سواء لمؤسسة الأرشيف الوطني التي تمتلك التجربة والإمكانيات والخبرة في معالجة الأرشيف أو مؤسسة أخرى تحدث للغرض وتكون تابعة للدولة مثلما ينص على ذلك قانون العدالة الانتقالية».
الهيئة توضّح
اصدت هيئة الحقيقة والكرامة بيانا بخصوص تخزين الارشيف فيما يلي نصّه:
على إثر ما تمّ تداوله في وسائل الاعلام من تصريحات مفادها أنّ هيئة الحقيقة والكرامة تسعى لتخزين أرشيفها لدى مزودين أجانب خارج الأراضي التونسية، يهمّها أن تقدّم التوضيحات التالية:
1 - إنّ حفظ التسجيلات السمعية البصرية وضمان سلامتها هو من المسؤولية الحصرية للهيئة طوال عهدتها التي تنتهي في 31 ديسمبر 2018 دون غيرها، طبقا للفصل 63 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية وتطبيقا للأمر عدد 1451 لسنة 93 والمتعلق بالمسؤولية في مجال التصرّف والحفظ بالنسبة للوثائق الإدارية الجارية وتحديدا الفصل الخامس منه الذي يكلّف المؤسسات والمنشآت العمومية لوحدها بالسهر على التصرف والحفظ بالنسبة للوثائق الإدارية التي تنشأ وتتجمّع في إطار ممارسة نشاطها.
2 - إنّ طلب العروض عدد 01 لسنة 2018 مرّة ثانية لا يتعلق بإيواء أرشيف الهيئة ومستنداتها الكاملة وإنّ ما يتعلق بالتسجيلات السمعية البصرية فحسب والتي تجمّعت لديها وفاق حجمها ثمانين ألف جيغابايت (80000 Gigas)
3 - نظرا للحجم الكبير لهذه الفيديوهات وخشية من تضرّرها، قررت الهيئة أن تقوم بطلب عروض لحفظ نسخة ثانية من هذا الرصيد السمعي البصري لدى مزوّدين تونسيين يتوفّرون على شروط منظومة التصرّف في السلامة المعلوماتيّة وحاصلين على مصادقة المنظمة الدولية للمعايير وخاصة إيزو 27001 iso و إيزو 27018 iso ويحقّقون درجات عليا في شروط السلامة والسرية والمطابقة وضمان استعادة الهيئة لهذه المعطيات لاستغلالها في أعمالها. وتم التنصيص في كراس الشروط على منع المناولة وعلى جملة من الشروط من بينها تقديم ما يفيد خلاص الضرائب للخزينة التونسية وخلاص مساهمتهم للضمان الاجتماعي التونسي وعلى أن تكون المؤسسة مسجّلة في السّجل التجاري التونسي.
4 - لا يتعلّق طلب العروض المذكور بحفظ أرشيفات الهيئة بعد نهاية عهدتها في ديسمبر 2018 ولا بمآل وثائقها ومستنداتها بعد عهدتها الذي حدّده القانون بتسليمها لمؤسسة حفظ الذاكرة الوطنيّة او إلى الأرشيف الوطني وهو ما ستقرّره الهيئة تبعا لمقترحات الضحايا وبالتشاور مع شركائها من مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني خلال المؤتمر الوطني الذي تعتزم تنظيمه يوم 06 مارس 2018 تحت عنوان «دور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في مرحلة ما بعد هيئة الحقيقة والكرامة».