أيادي الإرهاب على اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد آنذاك وذلك صبيحة يوم 6 فيفري 2013 أمام مقرّ سكناه،أول اغتيال سياسي شهدته تونس ما بعد ثورة 14 جانفي ،ملف تعهّد به القضاء بحثا عن الحقيقة الكاملة (من خطّط ؟،من نفّذ ؟ومن وراء كل ذلك؟)،اليوم وبعد مرور خمس سنوات هناك حزمة من الأسئلة تطرح نفسها،هل كشف الستار عن الحقيقة أو جزء منها؟ ما هي آخر مستجدات الملف القضائي؟ماهي أهم الأطوار والأحداث التي شهدها ملف قضية الحال؟ كلّ ذلك في هذا الملف.
أثار ملف قضية اغتيال شكري بلعيد الكثير من الجدل، خاصة بعد توتر العلاقة بين القائمين بالحق الشخصي من جهة وقلم التحقيق بالمكتب 13 المتعهد بالملف من جهة أخرى ،علما وان الأخير قام بتفكيك الملف وهو ما اعتبرته هيئة الدفاع لا يخدم صالح القضية.
مسار متعثر
شهد ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد مسارا اقل ما يقال عنه انّه متعثر، حيث تزامن قرار ختم البحث مع موجة من الاحتقان والغضب في صفوف هيئة الدفاع التي اعتبرت انّ قاضي التحقيق المتعهد لم يتعامل بالجدية المطلوبة مع القضية واغفل العديد من الجزئيات التي اعتبرتها الهيئة هامّة من أجل الكشف عن الحقيقة.
امام طول المدة الزمنية التي بقي فيها الملف منشورا لدى قاضي التحقيق وذلك نظرا لتعدد الاطراف المشتبه بها وطول الإجراءات والاعمال التحضيرية، اضطر قلم التحقيق الى تجزئة الملف الى قسمين، تضمن القسم الأول الموقوفين في حين خصص الملف الثاني للمحالين بحالة فرار وهو مايزال الى حد كتابة الأسطر أمام دائرة الاتهام.
باشرت الدائرة الجنائية الخامسة النظر في القسم الاوّل من الملف منذ 30 جوان 2015، وذلك خلال جلسة علنية حضرها عدد هام من الحقوقيين والسياسيين مع العلم وانّ الملف قد شمل أكثر من 700 اعلام نيابة عن كلّ من الهيئة الوطنية للمحامين وعن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنسيقيّة المستقلة للعدالة الإنتقالية وحزب الوطد الموحد ذلك على غرار القائمين في حق الورثة.
انطلقت أشواط المحاكمة، التي تتالت تأجيلاتها الى حدّ كتابة الأسطر، وذلك استجابة لطلبات لسان الدفاع قصد ضمّ الملفين الى بعضهما. الطلب نفسه أيده ممثل النيابة العمومية الذي اعتبر انه من غير المعقول البتّ في القضية والحال أنّ جزءا أخر من الملف لا يزال لدى قلم التحقيق، علما وانّ دائرة الاتهام قد أفرجت عن بعض المشتبه بهم ومن بينهم قيس مشالة.
إشكاليات بين هيئة الدفاع وقاضي التحقيق
بعد سنة من انطلاق الأبحاث تقريبا بدأت العلاقة بين قاضي التحقيق بالمكتب 13 من جهة وهيئة الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي وعائلة شكري بلعيد من جهة اخرى تشهد توترا ملحوظا وصل حدّ اتهام قلم التحقيق من قبل علي كلثوم احد ممثلي الدفاع بالتواطؤ في إخفاء الحقيقة وذلك من خلال عدم الاستجابة إلى العديد من الطلبات التحضيرية من بينها سماع عدد من الأطراف ومعاينات وغيرها. هيئة الدفاع طالبت أيضا في أكثر من مرة وزارة العدل بتغيير القاضي المتعهد لأنه لا يتعامل بالجدّية المطلوبة مع الملف على حدّ تعبيرها،وزارة العدل من جهتها أذنت للتفقدية العامة صلبها بالنظر في الملف اذ قرّرت عدم الاستجابة لمطلب لسان الدفاع لأنه لا يوجد موجب لذلك وملف قلم التحقيق خال مما يستوجب تغييره وفق التفقدية.
محجوز مسروق
من المضحكات المبكيات التي شهدها ملف شكري بلعيد وكذلك ملف محمد البراهمي إقدام احد عمال خزينة المحكمة الابتدائية بتونس على سرقة محجوزات من بينها حاسوب المدعو احمد الرويسي وهو المتهم الرئيسي في اغتيال شكري بلعيد والذي تم حجزه أثناء عملية مداهمة ،في هذا السياق صرّحت ليلى الحداد في وقت سابق فقالت «كتابة المحكمة والنيابة العمومية أكدتا لنا عملية سرقة حاسوب احمد الرويسي من خزينة المحكمة وهذا الحاسوب يتضمن عديد المعلومات التي يمكن أن تساعد على كشف الحقيقة ولكن للأسف أيادي طمس الحقيقة طالت الخزينة علما وأنه توجد 9 قضايا منشورة لدى القضاء تتعلق بسرقة محجوزات من المحكمة من بينها قضية الحال».ولكن لسائل أن يسأل ما دام مرتكب جريمة السرقة قد اعترف بفعلته وبرّر ذلك أنه يمر بضائقة مالية كما انه تم القبض على أشخاص آخرين بصفتهم يشترون منه المسروق فلماذا لم تتمكن السلطات من استرجاع الحاسوب؟ وإن كان قد اختفى ماهي ملابسات ذلك ولماذا ؟ وهل هي مجرد سرقة عادية ام لغاية في نفس يعقوب ؟.
ماذا عن السلاح المستعمل؟
تحدث علي كلثوم في ندوة صحفية سابقة عن السلاح الذي تم استعماله في عملية الاغتيال واهم التطورات فقال «إذ بعد أن نفت وزارة الداخلية وجود نوع السلاح المستعمل في عملية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهو «البيريتا» فإن الأبحاث بينت أن هذا السلاح موجود وقد تم العثور عليه ورمي في البحر في مكان ما قرب العاصمة على حد قول علي كلثوم الذي أردف قائلا «تم فتح تحقيق في هذه النقطة وسماع ثلاثة أطراف اعترف أحدهم في محضر استنطاقه بتاريخ 20 سبتمبر 2013 بأنه تسلم عدد 2 مسدسات من المظنون فيه محمد .ع وانه سلمها بدوره للمدعو عامر .ب ليتولى التخلص منها وهو ما حصل فعلا مضيفا أن المسدسين المتحدث عنهما استعملا في اغتيال بلعيد والبراهمي» ولكن الأمر الذي وصف بالخطير ودائما وفق هيئة الدفاع فإن «فرقة امنية مجهزة كلفت بالبحث عن المسدسين سالفي الذكر وقد اتهم قاضي التحقيق بالمكتب 13 سابقا بإخفاء المحضر المذكور من ملف القضية وأحاله إلى ملف قضية إرهابية أخرى وهي جريمة يعاقب عليها القانون ودليل إضافي على وجود سعي لطمس الحقيقة وفق قوله»
هذا وأضاف علي كلثوم بأن كل الخيوط المتعلقة بقضية الحال تؤدي إلى وزارة الداخلية وقال «بالعودة إلى قضية ف.د وابنه التي تعلقت بوجود قائمة اسمية يخطط لاغتيالها ومن بينهم شكري بلعيد والتي صارح بوجودها 3 أطراف من حركة النهضة في جلسة شراكة مزعومة مع ف.د الذي أوهموه بالتعامل معهم ولكن فيما بعد أفادوا العكس أي أن هذا الأخير هو من يملك تلك القائمة إذ حوكم هذا الأخير بسنتين سجنا بتهمة الاعتداء على الأملاك والأشخاص والحال أن هذا الملف على علاقة بقضية الاغتيال وكالعادة قاضي التحقيق عمل على قبره».
موقوفون يحتجون بعدم الحضور
من الظواهر الجديدة التي شهدتها جلسات قضية اغتيال شكري بلعيد في الدائرة الجنائية الخامسة المتعهدة بالقضايا ذات الصبغة الإرهابية هي رفض مثول المتهمين المحالين بحالة إيقاف أمام الدائرة المذكورة وذلك رغم تواجدهم بغرفة الإيقاف بالمحكمة الابتدائية بتونس،قرار في شكل احتجاج على ما اعتبروه سوء معاملة داخل الوحدة السجنية وطالبوا بتمكينهم من الزيارات المباشرة. (الزيارة المباشرة) ليست حقا وإنما امتياز والامتياز يمنح فقط للسجين الصادر في شأنه حكم قضائي نهائي وبات طبقا لأحكام الفصل 21 من القانون المتعلق بنظام السجون الصادر في 14 ماي 2001.كما خاض عدد من الموقوفين في قضية الحال إضراب جوع.
آخر تطورات الملف
تواصل الدائرة الجنائية الخامسة المختصة بالنظر في القضايا الإرهابية بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 20 فيفري الجاري النظر في جزء من ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد والمتعلق في الأساس بالعناصر الموقوفة، فيما لايزال الجزء الثاني من الملف والذي شمل مشتبها بهم أغلبهم محالون بحالة فرار لدى دائرة الاتهام ومن المنتظر أن تتولى يوم 22 فيفري الجاري البتّ فيه وإحالته على الدائرة الجنائية المختصة بالنظر.
هل تأتي هيئة الدفاع بالجديد؟
يعقد اليوم الثلاثاء حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد ندوة صحفية للكشف عن اخر مستجدات ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد.علما وأننا اتصلنا بعدد من ممثلي هيئة الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي في ملف قضية الحال والذين خيروا التحفظ عن الخوض في المسألة بغية كشف كل التطورات والتفاصيل في ندوة صحفية منتظرة اليوم.فهل تأتي بالجديد؟.
نورة الهدار وفتحية سعادة