الجديد للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأن «الفساد استشرى في تونس ما بعد الثورة في ظل غياب الإرادة السياسية لمكافحته. جرائم فساد مالي وإداري يرفع عددها يوما بعد يوم في المقابل نجد إشكالات جمة تحيط بالجانب القضائي والتشريعي باعتبارهما القاعدة الأساسية لمكافحة هذه الآفة «المغرب» فتحت هذا الملف.
كمال العيادي رئيس الفرع الإقليمي لمنظمة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لمحاربة الفساد أوضح في تصريح سابق له بأن «تفكيك منظومة نظام حكم بن علي قادت إلى “بروز مراكز نفوذ وفساد جديدة»، نواب بمجلس الشعب أيضا اقروا بأن جرائم الفساد المالي والاقتصادي قد تفاقم عددها بعد ثورة 14 جانفي. مما يطرح عديد نقاط الاستفهام ويستدعي التحرك العاجل لبناء قاعدة صلبة لمجابهتها وأولها توفر الإرادة السياسية الصادقة.
أكثر من 800 ملف فساد مالي واداري
الحديث عن وباء اسمه الفساد يفتك بالدولة لم يأت من فراغ بل يترجمه الكم الهائل من ملفات الفساد المنشورة في القطب القضائي المالي التي ما انفكت ترتفع حيث تزايد عددها خلال الأشهر الأخيرة من 600 إلى أكثر من 800 ملف يتعلق بالفساد المالي والإداري واغلبها منضوية تحت الفصل 96 من المجلة الجزائية أي من اجل استغلال صفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو الإضرار بالإدارة، سجل من الملفات في تزايد مستمر وقضايا اقل ما يقال عنها أنها متشعبة وضعت الحكومة إطارا قضائيا يتكون من 7 قضاة فقط لمجابهته وبإمكانيات شبه معدومة.
قطب بلا قانون وظروف عمل مزرية
رغم انطلاق أشغاله منذ أكثر من سنتين تقريبا إلا أن القطب القضائي المالي لم يتم بعد سن الإطار التشريعي الذي ينظمه باعتباره احدث بمقتضى مذكرة عمل منذ سنة 2012 بتعلة الإسراع في انشاء هيكل قضائي مختص في قضايا الفساد المالي والإداري في إطار مكافحة هذه الجرائم لتمر أكثر من 3 سنوات ولم يتم بعد سن قانون واضح ينظم هذا الهيكل ليبقى تابعا إداريا لابتدائية تونس، وليس هذا فقط فالقطب يفتقر أيضا إلى ابسط الإمكانيات اللوجستية والمادية ونقص كبير في الإطار القضائي حيث يتكفل كل قاض من بين السبع قضاة تحقيق بأكثر من 25 ملفا دون أن ننسى تشتت جهود هؤلاء القضاة بين قضايا الفساد وقضايا الحق العام المتعهدين بها منذ كانوا بالمحكمة الابتدائية بتونس ، كل هذه الظروف اطلع عليها الوزراء المتعاقبون على حقيبة وزارة العدل وسجلوا كل هذه النقائص ولكن إلى اليوم لم يلاحظ أي تغيير . كما طالب القضاة بتعزيز الإطار القضائي بقاضيي تحقيق على الأقل ولكن إلى اليوم لم تستجب الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لهذا المطلب.
غياب الإرادة السياسية
منذ تعيينه رئيسا جديدا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقف شوقي الطبيب على حقيقة الوضع والعدد المهول لملفات الفساد التي وردت على الهيئة المذكورة والتي قال إنها بلغت إلى حد الآن 12 ألف ملف تم فتح 3000 ملفا فقط منها ولا يزال 9000 في الانتظار هذا وقال الطبيب خلال تصريحاته بأن «الفساد استشرى في البلاد و90 % منه متورطة فيه الأجهزة الرسمية للدولة هذا وقد لاحظنا غياب الإرادة السياسية في مكافحة الفساد».
الهيئة الوطنية بدورها لم تكن في منأى عن الصعوبات والنقائص مما جعل رئيسها يدعو خلال جلسة استماع من قبل لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة ومكافحة الرشوة والفساد ومراقبة المال العام صلب مجلس نواب الشعب إلى دعمها سياسيا وماديا ومعنويا.
قوانين ذات العلاقة: أين هي ؟
اقتفاء اثر الفساد والتوصل إلى كشف الفاسدين ومحاسبتهم يتطلب قاعدة قانونية خاصة تمكن الهياكل المعنية من القيام بمهامها بأكثر دقة وتساهم بنجاعة كبرى في مكافحة آفة الفساد ولكن بالنظر إلى الترسانة القانونية نلاحظ نقص عديد القوانين التي من شانها دعم هذا المجهود على غرار مشروع القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام والتصريح بالمكاسب الذي بقي حبيس رفوف مجلس النواب ينتظر المصادقة هذا إلى جانب غياب القانون الأساسي الخاص بتمويل الأحزاب والجمعيات الذي اعتبرته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد آلية فعالة للقضاء على المال السياسي المشبوه ، هذا وطالب شوقي الطبيب بضرورة التسريع في إخراج هذه القوانين إلى النور داعيا الحكومة ومجلس نواب الشعب إلى استكمال آليات دعم شفافية الحياة العامة».
قضايا فساد مهددة بالسقوط بمرور الزمن؟
افتقار القطب القاضي المالي للقاعدة التشريعية الواضحة بغياب قانون ينظمه ألقى بظلاله على قضايا الفساد المنشورة بالمحكمة الابتدائية بتونس والتي أصبحت مهددة بالسقوط بمرور الزمن وذلك بانتهاء آجال التقاضي باعتبار أن قضاة التحقيق العاملين بابتدائية تونس والمتعهدين بقضايا فساد مالي وإداري قبل انشاء القطب لا يمكنهم التخلي عن هذه الملفات لفائدة هذا الأخير في ظل وجود فراغ تشريعي يستندون إليه هذا وقد صرح كمال بربوش سابقا بالقول «بسقوط هذه القضايا مليارات ستسقط في الماء بانتهاء آجال التقاضي والقضاة المتعهدون بتلك الملفات أهملوها لأنهم يعملون حسب الاختصاص هذا إلى جانب الاكتظاظ».