المجلس الأعلى للقضاء: انقسامات داخلية والمحامون غاضبون ومقاضاة رئيس الحكومة: «السير نحو مأزق خطير ومشهد مظلم»

إن تركيز المجلس الأعلى للقضاء هو الخطوة الأولى للسلطة القضائية نحو الوضع الدائم بعد سنوات من الوضع المؤقت ،هيكل أخذ المشعل عن الهيئة الوقتية

للإشراف على القضاء العدلي التي انشئت سنة 2013، حيث كان كل المتداخلين في مرفق العدالة وعلى رأسهم أهل القطاع أي القضاة سعداء بهذه الخطوة وكانت آمالهم كبيرة في تحقيق استقلالية القضاء ولكن هذا الحلم يبدو ان طريقه لا تزال طويلة ومعقدة في ظل العثرات التي يشهدها المجلس الأعلى للقضاء على جميع المستويات إذ يخيّم جوّ من الاحتقان والغليان في صفوف أعضائه من جهة وبينهم وبين الحكومة من جهة أخرى، اعتراضات على الحركة القضائية ونتائجها لم تعلن بعد ،غضب من المحامين الأعضاء بالمجلس القضاء العدلي ،توتر العلاقات مع رئاسة الحكومة والقضاء الإداري على الخطّ، مقاطعة بعض الأعضاء لافتتاح السنة القضائية ،مشهد يوحي بمرحلة قادمة صعبة للغاية.

وللتذكير فإن المجلس الأعلى للقضاء ومنذ تركيزه يعيش على وقع عديد الإشكالات العالقة أهمها مطالبته بميزانية ومقرّ خاص به حتى يقوم بأعماله على أكمل وجه وفق تقدير أعضائه الذين هددوا في وقت سابق بتعليق النشاط ورقة يمكن استعمالها في أي لحظة من قبل المجلس المذكور احتجاجا على ما سبق.

مقاطعة جزئية لحفل افتتاح السنة القضائية
من بين القرارات التي أسفرت عنها إحدى الجلسات العامة للمجلس الأعلى للقضاء التي عقدت مؤخرا واحتجاجا على عدم توفير المقرّ والميزانية هي مقاطعة حفل افتتاح السنة القضائية ، ولكن هذا الحفل أقيم أمس الخميس 9 نوفمبر الجاري بقصر العدالة بتونس بحضور رئيس الجمهورية وقد وجّهت الدعوة للحضور باسم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لديها وهما عضوان في مجلس القضاء العدلي الذي اشرف على ذلك الحفل صحبة وزارة العدل ،كما علمنا أن هناك عددا آخر من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء سجّلوا حضورهم وذلك بعد التأكد من أن التنظيم والإشراف كانا من طرف المجلس وليس السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل،علما وانه منذ تركيز الهيئة الوقتية للقضاء العدلي فإن وزارة العدل أصبحت مشرفة فقط ولا دخل لها في التنظيم،من جهة أخرى فإن الأعضاء المتبقين خيّروا مقاطعة حفل الافتتاح لأنه تحت إشراف الوزارة وهو أمر مرفوض بالنسبة إليهم كما أنه يرون أن الأجدر أن يكون المجلس الأعلى للقضاء هو المشرف الأول وليس المجلس القطاعي فقط وذلك وفق ما أوضحته بسمة السلامي عضو بالمجلس وممثلة عن خلية الإعلام به.

السؤال هنا لماذا كل هذا التذبذب في المواقف بين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء فقد اتخذ قرار جماعي في جلسة عامة بالمقاطعة وبعدها يتم خرقه والانقسام يكون سيّد الموقف؟ الإجابة ضبابية وشبه غائبة لديهم ولكن المؤكد أن هذه الانقسامات ليست في صالح هذا الهيكل حديث الولادة خاصة وانه في صراع مع الحكومة.

انسحاب ورفض لنتائج الاعتراضات
كما هو معلوم فإن مجلس القضاء العدلي هو الجهة المخول لها النظر في المسار المهني للقضاة ثم تحيل أعمالها على الجلسة العامة التي تضم المجالس القطاعية الثلاثة،الاعتراضات على الحركة القضائية لم يتم الإعلان عنها بعد ان خلّفت جدلا واسعا بين أعضاء المجلس المعني فيما بينهم حيث عبّر المحامون الأعضاء وهو 3 عن احتجاجهم بسبب عدم الأخذ برأيهم في الملف وانسحبوا من الجلسة القطاعية وهو ما جعل زملاءهم المحامين وبصفتهم أعضاء في المجالس القطاعية الأخرى يساندونهم ويرفضون مناقشة ملف الاعتراضات خلال الجلسة العامة التي عقدت بتاريخ 8 نوفمبر الجاري وبالتالي لم يقع التصويت عليها لعدم اكتمال النصاب القانوني وتم تأجيل الموضوع إلى موعد لاحق وفق ما أكده عبد الكريم الراجح محامي وعضو بالمجلس الأعلى للقضاء والذي قال ايضا «حضرنا في الجلسة العامة وأعلنا أننا رافضون لنتائج الاعتراضات بصيغتها الحالية ولا سبيل لمرورها وبالتالي طالبنا بإعادتها للمجلس القطاعي المعني لإعادة النظر فيها ومن المنتظر عقد جلسة له في أقرب الآجال لفتح باب النقاش مع أعضائه من المحامين».هذا وأضاف الراجح «نحن لا نريد هذه الانقسامات وهذه الخلافات وسنتجاوزها لأنها ليست في صالح القطاع عامة والمجلس الأعلى للقضاء خاصة».

«حتى لا يقال أن السلطة تقاضي السلطة»
صرّحت بسمة السلامي عضو المجلس الأعلى للقضاء وممثلة عن خلية الإعلام به لـ«المغرب» بأن الاعتراض على قرار رئيس الحكومة وهو رفض نشر الأمر المتعلق بالامتيازات والمنـــح لفائدة القضاة الصادر عن المجلس المذكور تم إيداعه أمس الخميس 9 نوفمبر بمكتب الضبط بالمحكمة الإدارية مؤكّدة أنه ممضى من طرف عدد من الأعضاء فقط وليس كلّ أعضاء المجلس الأعلى للقضاء علما وأن قرار المقاضاة اتخذ بدوره خلال جلسة عامة وأعلن عنه منذ فترة وقالت في ذات الخصوص «الاعتراض لم يكن باسم كل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بل بعدد من أعضائه فقط وأنا منهم أما بخصوص الأسباب فهي مختلفة فهناك من لديه قناعة راسخة بان اللجوء إلى القضاء لن يأتي بنتيجة وطول الإجراءات سيزيد الأمر تعقيدا وهناك من يرى السلطة لا تقاضي السلطة» علما وانه قانونيا فإن اعتراضا وحيدا أي باسم عضو واحد يفي بالغرض.

إلى متى؟ والى أين؟
في ظل كلّ هذه العثرات والتعقيدات التي يعيش على وقعها المجلس الأعلى للقضاء منذ فترة يتبادر إلى الذهن السؤالان التاليان إلى متى يتواصل هذا الوضع ؟والى أين يسير المجلس؟ الإجابة جاءتنا من محدثتنا بسمة السلامي إحدى أعضاء المجلس التي تحدّثت بنبرة فيها الكثير من الحسرة «للأسف المجلس يسير نحو مأزق خطير نظرا لما يعيشه اليوم من إشكاليات على عدّة مستويات فالمشهد مظلم ولا وجود لإرادة حقيقية في إرساء المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي فإنه لا وجود لاستقلالية، فهناك محاولة للهيمنة من جديد على السلطة القضائية فليس من السهل التخلص من الوضع الذي دام أكثر من 20 سنة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115