وهو ما يطرح جملة من التساؤلات خاصة و أن الأعضاء ليسوا متفرغين،فما الذي جعلهم يحددون مثل هذا المبلغ إلى جانب امتيازات أخرى كالسيارات الوظيفية ؟ وهل مهامهم تستحق ذلك؟ هذه الاستفهامات وغيرها حاولت «المغرب» الإجابة عنها من خلال الحديث مع عماد الخصخوصي عضو خلية الإعلام صلب المجلس الأعلى للقضاء إلى جانب رصد موقف اتحاد القضاة الإداريين.
المجلس الأعلى للقضاء عرّفه الفصل الأول من القانون المنظم له بأنه مؤسسة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها.ويتمتع المجلس بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي وله السلطة الترتيبية في مجال اختصاصه.كما ينص الفصل 42 من ذات القانون على أن» الجلسة العامة تتولّى إعداد النظام الداخلي للمجلس،ضبط المنح المسندة للأعضاء في إطار أحكام الميزانية المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب
منح تفوق راتب وزير أو كاتب دولة
صوت عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الأسبوع المنقضي وتحديدا يوم الجمعة 28 جويلية الجاري على قرار يقضي بتمتع كل عضو بمنحة شهرية قدرها 3.500 ألف دينار إلى جانب سيارة وظيفية بالنسبة لمن لا يمتلكها علما وأن الأغلبية ليس لديهم سيارة وظيفية ما عدى بعض القضاة المعينين في خطط قضائية عليا و وصولات بنزين،قرار ولئن اتخذ بتصويت الأغلبية الحاضرة في الجلسة (تسجيل غياب عدد من الأعضاء خاصة من القضاة) وبالتالي لا غبار عليه من الناحية القانونية كما أن المجلس لم يعلن عنه رسميا إلى حدّ كتابة هذه الأسطر إلا أنه أثار جدلا واسعا في صفوف الرأي العام عامة والقضاة بصفة خاصة إذ اعتبر احمد الصواب القاضي الإداري المتقاعد في تصريح لإحدى الصحف تلك المنح غير معقولة فهي تناهز راتب وزير أو كاتب دولة كما أن السقف الأقصى المعمول به في هذا الخصوص لم يتجاوز 800 دينار. هذا ودعا الصواب القضاة إلى التصدي لهذا القرار قبل تفعيله واصفا التفرغ بالعار على القضاة».
منح بنزين وسيارات ...كم ستكلف الدولة؟
بقطع النظر إن تراجع المجلس الأعلى للقضاء عن قراره المثير للجدل في الأيام القادمة من عدمه فإنه وبإجراء عملية حسابية بسيطة، أعضاء المجلس الأعلى للقضاء عددهم 45 موزعين بالتساوي على المجالس القطاعية الثلاثة فكل عضو سيتقاضى شهريا 3500 ألف دينار وهو ما سيكلف الدولة سنويا مليار وتسع مائة ألف دينار منح فقط دون احتساب السيارات الوظيفية والبنزين (360 لتر لكل عضو) وهذا بدوره سيكلف الدولة الكثير . مبالغ وامتيازات تعتبر كبيرة ولا تتماشى مع حجم المهام الموكولة لهذا الهيكل الذي يجتمع مرّة كل شهر تقريبا فلسائل أن يسأل كم يجب أن تقدر منحة أعضاء المحكمة الدستورية المنتظر تركيزها والتي تتمتع بصلاحيات تفوق السلطة القضائية وأعضاؤها متفرغون ما دام المجلس سيتقاضى أعضاؤه مبالغ بهذا الحجم؟
راتب أكثر من 6 آلاف دينار شهريا
عبر اتحاد القضاة الإداريين عن رفضه لهذا القرار وذلك على لسان رئيسه وليد الهلالي في تصريح لــ»المغرب» قال فيه « بالطبع نحن نرفض رفضا قاطعا هذا القرار خاصة بعد أن تأكدنا أن التصويت تم في غياب كبار القضاة وكان بإلحاح أصحاب المهن الحرة داخل المجلس. كما نرفض هذا القرار لأن أعضاء المجلس غير متفرغين وبالتالي يحتفظون بأجورهم المتأتية من وظائفهم الأصلية و لا يعقل أن يجمعوا بين رواتبهم وبين منحة أكبر من تلك الرواتب ليصبح دخل عضو المجلس الأعلى للقضاء (القاضي والأستاذ الجامعي على الأقل) أكثر من ستة آلاف دينار شهريا، أي أكثر من رئيس الحكومة حاليا وهذه رسالة سيئة للغاية وجهها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء إلى الشعب التونسي خاصة في ظل هذه الظروف التي تعيشها البلاد والتي تقتضي من الجميع وفي مقدمتهم نخبة النخبة على غرار أعضاء المجلس الأعلى للقضاء التضحية ونكران الذات والعمل في صمت لما فيه خدمة المصلحة الوطنية» وأضاف الهلالي»في المقابل، وخلافا لما هو عليه الوضع بالنسبة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، فإننا يجب أن لا ننسى الظروف المادية المزرية التي يعيشها القضاة والتي سبق لنا أن ندّدنا بها وطالبنا رئيس الحكومة بإعطائها الأولوية المطلقة خاصة في ظل الحرب على الفساد والتي سيقودها القضاة بدرجة أولى، ونجدد مطالبتنا بتمكين القضاة من كل الوسائل اللازمة لأداء مهامهم على أحسن وجه وأهمها راتب يحفظ كرامتهم ويرتقي إلى مستوى السلطة القضائية التي نريد تكريسها طبقا للمعايير الدولية لاستقلال القضاء طبعا كل ذلك مع مراعاة الظروف التي تمر بها البلاد»،وقد وجّه الاتحاد رسالة إلى أعضاء المجلس جاء فيها « لا بد من مراجعة هذا القرار ومراعاة ظروف البلاد وكذلك طبيعة عضويتكم بالمجلس باعتباركم غير متفرغين».
المجلس على الخط
لمعرفة حقيقة ما حصل في الجلسة العامة تحدثنا مع عماد الخصخوصي احد أعضاء خلية الإعلام صلب المجلس الأعلى للقضاء الذي أكد أن المجلس سيتفق على كيفية الردّ على كل ما يدور من أخبار وقال أيضا: «الاختلاف بين الأعضاء لم يكن بخصوص القرارات بل في التفاصيل فقط لأن النقاش في ذلك تم بين الأعضاء لأكثر من ثلاثة أشهر»
ماذا عن التفرغ؟
بالرجوع إلى القانون الأساسي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء فإن هذا الأخير لا يلزم التفرغ ولم يسمح به كما أن كل أعضاء المجلس ليسوا متفرغين ولديهم وظائف أخرى بالإضافة إلى مهامهم صلب هذا الهيكل وبالتالي يتقاضون راتبا شهريا من تلك الوظائف وهنا فإن شرطا من شروط منح مبلغ كبير كهذا وهو التفرغ غير متوفر وهو ما أجج الأوضاع وأشعل فتيل الاستياء تجاه هذا القرار من الناحية الأخلاقية.