تحركات لئن عبرت خلالها جمعية القضاة ومنظوريها عن موقفها في محاولة منها للضغط على الحكومة من أجل فتح ملف الظروف المادية للقضاة فإن كثرة الإضرابات ساهمت بشكل كبير وفق عديد الملاحظين في تعطيل مصالح المتقاضين بالإضافة إلى تأثيرها على حسن سير المرفق خاصة وأنه قد تم تأخير القضايا على حالها إلى جلسات أخرى. مشهد يبدو أنه لم يرض وزارة العدل التي قرّرت أن تقتطع أيام الإضراب من أجور من ساهموا فيه بقطع النظر عن أصنافهم حيث وجّهت مراسلة في الغرض إلى المحاكم قصد إعداد قائمة في القضاة الذين شاركوا في الإضراب لتقتطع من أجورهم كلّ حسب عدد الأيام المشارك بها.
جمعية القضاة التونسيين ردّت على هذا القرار ببيان شديد اللهجة بتاريخ 21 افريل المنقضي حذّرت فيه من مغبة تطبيق هذا القرار وهدّدت فيه بالتصعيد،هذا و وشددت جمعية القضاة على شرعية تحركات منظوريها للنهوض بأوضاعهم المادية المتدنية وظروف العمل المتردية بالمحاكم خصوصا إزاء غلق الحكومة ووزارة العدل لباب الحوار بخصوص هذه المطالب وتجاهلها تجاهلا تاما الأمر الذي فاقم الأوضاع إلى حد لم يعد بالإمكان التغاضي عنه وفق نصّ البيان التي أصدرته مؤخرا.
من جهتهم عبر قضاة المحكمة العقارية في بيان مماثل صدر بتاريخ 3 ماي الجاري عن رفضهم القاطع لقرار وزارة العدل الاقتطاع من أجور القضاة بسبب المشاركة في الإضراب وذلك بعد اطلاعهم على المكاتبة الصادرة عن المتفقد العام بوزارة العدل قصد حثّ رؤساء المحاكم لمدّه بقائمة القضاة المضربين أيام 27 و 28 و29 مارس المنقضي مبيّنة أن مثل هذه الممارسات الصادرة عن المتفقد العام والذي هو بدوره كان احد أعضاء الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي المنتهية صلاحياتها على حدّ تعبير البيان هي تعدّ صارخ على السلطة القضائية الذي هو جزء منها أي المتفقد العام لوزارة العدل.
هذا ونبه قضاة المحكمة العقارية وزارة العدل من أن التعامل مع القضاة على أساس أنهم خاضعون لقاعدة الأجر مقابل العمل فيه خرق فاضح للدستور الجديد الذي يعتبر القضاء سلطة على حدّ تعبيرهم مؤكدين على تمسكهم بحقهم في الإضراب.
وفي رسالة وجهت إلى وزارة العدل ومنها إلى رئاسة الحكومة وفق نص البيان فقد أكد المجتمعون على أن الممارسات التي وصفوها بالمهينة التي تنتهجها وزارة العدل ومن ورائها الحكومة لإرباكهم وذلك بالاقتطاع من أجورهم أمر قد ولى وانتهى ولا يزيدهم إلا إصرارا على المطالبة بتحسين أوضاعهم.
هذا وشدد قضاة المحكمة العقارية على أنهم مواصلون في عمالهم طبقا لليمين الذي أدوه ملوحين بان أي الاقتطاع من أجور القضاة المضربين غير مبرّر سيقابله تصعيد وصفوه بوخيم العواقب يمكن أن يصل إلى تنفيذ إضراب مفتوح.
ملف الأمور المادية للقضاة هو من بين الملفات القديمة المتجددة وهي اليوم مطروحة على طاولة وزير العدل غازي الجريبي وأن عددا من الهياكل القضائية قد تحدّثت معه في هذا الموضوع وقدّمت رؤيتها من أجل التوصل إلى حلّ، وضعية المحاكم هي أيضا ملف قديم متجدد تعاقبت عليه عديد الحكومات ووزراء العدل الذين أدوا زيارات متعددة لمختلف المحاكم بعدد من ولايات الجمهورية والوقوف على حقيقة الوضع والوعد بالنظر في الملف ولكن إلى اليوم على ارض الواقع لم يتحقق الشيء الكثير حيث بقيت المحاكم تعاني من عديد الإشكاليات سواء على مستوى الأرشيف الذي يتناثر هنا وهناك في أروقة المحاكم بسبب غياب مكان مخصص له كما نجد محاكم تعاني من بنية تحتية مهترئة فما إن يدخل فصل الشتاء حتى تتحول إلى مسابح مليئة بالملفات العائمة فمتى تفتح هذه الملفات ويتم ايجاد حلول جذرية لها بدل الحلول الترقيعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.