وتجدر الإشارة إلى إن عددا من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وتحديدا أكثر من 30 شخصا امضوا على المبادرة القضائية الثلاثية التي قدمها ثلاثة من القضاة المعينين بالصفة في المجلس ولكن البقية رفضوا ذلك وفي الوقت الذي ينتظر اعتماد هذه المبادرة التي أحيلت على الرئاسات الثلاث جاءت الإجابة من الحكومة بالرفض المبطن من خلال تقديم مبادرة والتسريع في مناقشتها بمساندة الهياكل القضائية سالفة الذكر.
هل هم من فتحوا الباب للتدخل
إن الخلافات القائمة بين القضاة والتي مرّ عليها أكثر من ثلاثة أشهر حيث اندلعت منذ الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء في أكتوبر المنقضي لم ينطفئ فتيلها بعد بل تتسع الهوة بينهم يوما عن يوم لنجد اتحاد القضاة الإداريين ونقابة القضاة التونسيين ودائرة المحاسبات وعدد من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الرافضين للمبادرة الثلاثية يساندون التدخل الحكومي في أزمة المجلس الأعلى للقضاء لأنها طالت أكثر من اللزوم ولا يجب أن تتواصل على حدّ تعبيرهم مشجعين المبادرة التشريعية الذي وصفوها بالحلّ الوحيد، في المقابل تقف جمعية القضاة وبقية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الممضين على المبادرة الثلاثية في نفس الصفّ الرافض للتدخل التشريعي. باب الخلاف هذا الذي اتسعت مساحته مثل فرصة للتدخل في الشأن القضائي بعد أن سلّمت الحكومة مقود السفينة للقضاة ولكنهم ظلوا طريقهم إلى برّ الأمان وغرقوا في بحر التجاذبات والحسابات الضيقة التي لا تمت لوحدة الصفّ ولا للتوافق بصلة وبالتالي فوجود السلطة التنفيذية على الخط في أزمة تتعلق بالسلطة القضائية كان بإيعاز من أهل الدار سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حيث أصبح العمل بسياسة ليّ الذراع. من جهة أخرى هناك من اعتبر أن عددا من القضاة انحازوا إلى الحكومة وشجعها على التدخل التشريعي وذلك على حساب القضاء بالرغم من اعتباره شرّا لا بد منه وانه ابغض الحلول، كما يعتبر البعض الآخر بأن الحلّ موجود وهي المبادرة الثلاثية ولكن لا يراد للمجلس أن يسير بأغلبية الثلثين بل بالثلث المتبقي على حدّ تعبيرهم.
كرة أخرى في ملعب القضاة
لم يستبعد وزير العدل من جهته وخلال عملية سماعه في لجنة التشريع العام سحب المبادرة الحكومية شريطة أن يتوصل القضاة إلى اتفاق فيما بينهم ،تصريح يطرح أكثر من نقطة استفهام إذا كانت نية السحب واردة فلماذا لم يتم منح مزيد من الوقت للقضاة قبل اقتراح المبادرة؟ فهل هي وسيلة ضغط أم سياسة الفرصة الأخيرة؟ مع العلم وأنه حسب ما نراه اليوم لا توجد بوادر اتفاق قريب بين أهل القطاع بل على العكس فالخلافات بينهم تزداد شيئا فشيئا.فيبدو أن القضاة اتفقوا على أن لا يتفقوا في هذا المسار وهو ما يهدد مبدأ استقلال السلطة القضائية الذي طالبوا به منذ أكثر من ست سنوات واليوم هم المتسببين في ضياعه بنسبة كبيرة وبسبب التعنت والخلافات والتجاذبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع لأنها تزيد إلا من ضعف السلطة القضائية وجعلها فريسة سهلة.
هل هي نهاية الأزمة؟
مواقف النواب بخصوص المبادرة التشريعية المقدمة من وزارة العدل بخصوص مشروع تنقيح القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء تختلف فهناك من يعتبرها خطوة ايجابية نحو حلّ الأزمة حتى لا تدخل في منعرج أخطر ويتعطل الرفق القضائي وهناك من نواب المعارضة من ابدوا تخوفهم من هذه المبادرة واعتبروها التفافا على السلطة القضائية واصفين في المقابل المبادرة التي تقدم بها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية والرئيس الأول للمحكمة العقارية ووكيل الرئيس الأول لدائرة المحاسبات بالجدية جدا والمعقولة.مواقف يمكن أن تضع حظوظ المصادقة على المبادرة التشريعية في الميزان عند طرحها للنقاش في الجلسة العامة فيمكن أن لا تمرّر وبالتالي تعود أزمة المجلس الأعلى للقضاء للمربع الأول وتنطلق رحلة البحث عن الحلول مجددا من نقطة الصفر فهل يتم اتخاذ المبادرة الثلاثية ومناقشتها وربما تعديل ما يمكن تعديله أم أنها دخلت حيّز النسيان وفرضية غير مطروحة أصلا؟.أسئلة واستفهامات تبقى مطروحة إلى حين معرفة مسار المبادرة التشريعية والنتيجة هي عنوان لمسار هذا الهيكل علما وأنه في صورة المصادقة عليها فإنه لا يمكن الطعن في عدم دستوريتها أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لأن هذه الأخيرة منقوصة من عضوين اثنين بينهما الرئيس بإحالتهما على التقاعد ولكن الطعن ممكن في المستقبل من قبل النواب بعد تركيز المحكمة الدستورية وهنا عبر عدد من الملاحظين عن تخوفهم من أن تصل الأمور إلى طريق مسدود على المدى البعيد ويهدم كلّ شيء.