وللتذكير فإن مشروع قانون المصالحة هو مبادرة رئاسية تقدمت بها رئاسة الجمهورية منذ جويلية 2015 بتعلّة تحريك عجلة الاقتصاد خاصة وأن ملفات الفساد التي كانت منشورة لدى القطب القضائي المالي لم يتم الفصل فيها ولا بد من آلية مصالحة مع رجال الأعمال لضخّ أموال في خزينة الدولة.
مواقف وأسئلة
من بين الشعارات التي رفعت اثر ثورة 14 جانفي 2011 هي القطع مع الماضي بما فيه من فساد واستبداد ومحاسبة المفسدين وكلّ من تعدى على المال العام وأهدره وافسد في الإدارة،ست سنوات مرت ولم يتحقق شيء من هذا لأنه وبكل بساطة آليات مكافحة الفساد غائبة سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى الواقعي ،تتالت الحكومات وكل منها يضع مكافحة الفساد على رأس قائمة أولوياته ولكن تبقى مجرد حبر على ورق ،اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات وبعد استشراء الفساد في كل مؤسسات الدولة ماضيا وحاضرا وجدت بوادر تحسن بسيط في هذا الاتجاه حيث تمت المصادقة على مشروع قانون حماية المبلغين في مجلس نواب الشعب كما صادق مجلس وزاري عقد مؤخرا على مشروع قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ليبقى الأهم الخطوات القادمة وهي التطبيق لأن القوانين جعلت لتطبق وليس لتوضع في الرفوف.
ولكن من المفارقات اليوم وبعد صدور الأحكام سالفة الذكر خرجت أحزاب سياسية لتندد بها،حركة مشروع تونس عبرت عن خشيتها مما أسمته استعمال القضاء، كأداة لتصفية حسابات سياسية وضرب مساعي المصالحة و دعت الحكومة إلى الوفاء بتعهداتها في مقاومة الفساد موجهة لها رسالة مضمونة الوصول جاء فيها «وألا تتخذ من المعالجة الاستعراضية لبعض الملفات القديمة، وسيلة للتغطية على تقاعسها الواضح في كشف الفساد المستشري اليوم وفي تتبع الفاسدين».أما الحزب الدستوري الحر، فقد عبر بدوره عن تعاطفه مع المحكوم عليهم واصفا الحكم بالقاسي مؤكدا استعداد لجنته القانونية للانضمام إلى فريق الدفاع عنهم في بقية مراحل التقاضي. حزب المبادرة الوطنية الدستورية، ضمّ صوته إلى البقية و اعتبر أن هذه المحاكمات ، «دارت في ظل جو من التعتيم و اللامبالاة»، وطالت عددا من المسؤولين السابقين، قد تتسبب في توتر الأجواء وانتشار الحقد والضغينة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مزيد من الوحدة الوطنية.مواقف طرحت أكثر من سؤال فهل المصالحة الوطنية تعني الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المفسدين؟ وهل قامت الثورة من أجل استرجاع ما نهب فقط والأضرار التي طالت الضحايا أمر غير مهم؟.
عودة النقاش فيه واردة
مشروع قانون المصالحة ومنذ ظهوره جوبه بالرفض من قبل عديد الأطراف الحقوقية منها والسياسية واعتبروه تبييضا للفساد وتكريس سياسة الإفلات من العقاب إلى كل من افسدوا في البلاد ،مواقف وصلت حدّ الاحتجاج والمطالبة بإسقاط هذه الوثيقة بالإضافة إلى تنظيم مبادرة تحت عنوان «مانيش مسامح» شارك فيها عديد الأطراف على غرار عائلات شهداء الثورة وجرحاها الذين لا يزالون اليوم وبعد مرور ست سنوات على استشهاد أبنائهم وجرح آخرين يبحثون عن الحقيقة وينتظرون محاسبة الفاعلين. وبالعودة إلى مسار هذا المشروع فقد تم اقتراحه من قبل رئاسة الجمهورية في جويلية 2015 وتم وضعه على طاولة نقاش لجنة التشريع العام صلب مجلس نواب الشعب في مناسبة أولى ولكن سرعان ما تمت إعادته للرفوف لأسباب مختلفة وبعد سنة طرح للنقاش مرّة أخرى في جويلية 2016 ولكن لم
تستكمل فيه الأشغال بعد علما وأن هذه المرة تزامنت مع احتجاجات واسعة طالبت اللجنة بالامتناع عن مناقشته ليغيب بعد ذلك عن الأنظار مجددا والى اليوم لا يزال في أروقة لجنة التشريع العام لأن هذه الأخيرة منكبّة على مناقشة مشاريع قوانين على علاقة بمكافحة الفساد.
أمام هذه الموجة من المواقف المنددة بأحكام قضائية صدرت ضد أشخاص ارتكبوا جرائم في حق البلاد والعباد وطبقا لأدلة وبراهين استند إليها القضاء كثر الحديث عن إمكانية عودة مشروع قانون المصالحة مجددا إلى الواجهة وعلى طاولة النقاش ليمرّر في إطار ما يسمى المصالحة الوطنية وتحريك عجلة التنمية خاصة وان الجهة المقترحة عبرت في اكثر من مناسبة عن عدم نيتها سحبه أو التراجع عنه ولكن في المقابل وفي صورة حدث ذلك فمن المنتظر أن تعود أيضا الاحتجاجات وتعالي الأصوات المطالبة بإسقاطه وأولها هيئة الحقيقة والكرامة التي وصفته بالمشروع الذي افرغ مسار العدالة الانتقالية من محتواه خاصة وانه يوجد صلبها لجنة تعنى بالتحكيم والمصالحة وقد أحيل عليها أكثر من 600 ملف فساد مالي واداري كانت منشورة لدى القطب المالي لتوضع تحت آلية التحكيم والمصالحة.