وللتذكير فإنه قد تم مؤخرا إسقاط المقترح المتعلق بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية للنظر في شبهة فساد مالي وإداري صلب هيئة الحقيقة والكرامة وهو أمر خلف ردود أفعال مختلفة بين مؤيد ورافض خاصة وأن الأمور اليوم داخل هذه الهيئة ليست على ما يرام على جميع المستويات وفق تعبير عديد الأطراف.
«لجان شكلية لطمس الحقيقة»
مع كلّ حادثة تتعالى الأصوات المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في الغرض للبحث والتقصي في حقيقة ما جرى ، اليوم قائمة اللجان طويلة النتائج مفقودة أو غائبة لدى الرأي العام الذي كان ينتظر من هذه اللجان الإعلان عن نتائج أعمالها إن وجدت ولكن ما نراه هو أن هذه اللجان شكلية ولم يكن لها وقع كبير في كشف الحقائق التي لا تزال بدورها غائبة إلى اليوم وهو ما يطرح عديد الاستفهامات: ماهي أسباب هذه الضبابية وهذا الركود في عمل تلك اللجان ؟ وهل للإرادة السياسية دور في ما يجري أم هو ضعف في الترسانة القانونية؟ الإجابات مختلفة فهناك من يرى بان غياب القانون المنظم لهذه اللجان والذي يعطيها مساحة اكبر في التحري والتقصي دون التدخل في عمل القضاء هو الذي جعلها دون فاعلية وجدوى وهناك أطراف أخرى تعتبر أن الأمر سياسيّ بامتياز فالأحداث التي وقعت نتيجة صراعات سياسية وكشف المستور ليس في صالح جهات سايسية معينة وبالتالي ستسعى إلى تعطيلها بكل ما أوتيت من إمكانيات.
من أحداث 9 افريل إلى وثائق باناما
إن فكرة إنشاء لجان تحقيق برلمانية عادة جديدة على تونس وبالتالي هي تجربة فريدة من نوعها وخطوة تعتبر في ظاهرها ايجابية باعتبار ان كشف الحقيقة لبنة من لبنات بناء المسار الديمقراطي والعدالة الانتقالية ، هذا ما كنا نأمله من قائمة اللجان والنواب التي تقود كل سفينة بداية من أحداث 9 افريل وتلتها أحداث 4 ديسمبر 2012 لتشكل لجنة فيما بعد تعنى بالتحقيق في ما عرف بأحداث الرش التي شهدتها مدينة سليانة وخلفت العديد من الإصابات متفاوتة الخطورة ،لتكون آخر محطة وربما ليست الأخيرة لجنة التحقيق في وثائق باناما ،الحادثة التي هزت الرأي العام الوطني والدولي فقد مر على إحداث هذه اللجنة 10 أشهر تقريبا والى اليوم لا جديد يذكر في أشغالها، علما وان الجلسة العامة التي عقدت مؤخرا أسفرت عن إسقاط مقترح إنشاء لجنة تحقيق برلمانية في شبهة فساد داخل هيئة الحقيقة والكرامة. تعتيم وتكتم عن النتائج أسبابه الحقيقية مجهولة فإن لم تكن هناك إرادة سياسية فلماذا يتم تشكيل تلك اللجان أساسا ؟ ولماذا لم يترك الأمر للقضاء وحده ليبحث عن الحقيقية ولو بعد زمن طويل ؟ فهل هي «مسرحية» لإيهام الشعب بأن هناك إرادة سياسية في كشف الحقائق ومع مرور الأيام تنطفئ تلك الشعلة وتدفن معها اللجان وأعمالها والمهم أن لا تهتز المصالح السياسية الضيقة وان لا يوقظ أحد مضجع منافسه السياسي حتى لا تتبعثر أوراقهم وحساباتهم السياسية؟. وان كانت هناك نية حقيقية وهدف الوصول إلى الحقيقة وراء ذلك لماذا هذا التأخير والتعطيل؟
مبادرة تشريعية لتنظيمها
كما سبق وذكرنا بأن من بين أسباب تعطيل عمل لجان التحقيق البرلمانية وفق تقديرات البعض يعود إلى غياب الوثيقة القانونية التي تنظمها وهو ما جعل عددا من النواب يتقدمون بمبادرة تشريعية في الغرض تعهدت به لجنة النظام الداخلي و الحصانة والقوانين البرلمانية و القوانين الانتخابية صلب مجلس نواب الشعب التي وضعته مؤخرا على طاولة النقاش ولكن الجدل الحاصل اليوم أيضا من ناحية أخرى يتمثل في علاقة هذه اللجان بالقضاء ومدى تداخلهما هنا اختلفت الآراء في ما يتعلق بتعهد اللجان بملفات في نفس الوقت يتعهد بها القضاء فهناك من اعتبر ذلك أمرا عاديا ولا يمس من استقلاليته في المقابل اعتبر عدد آخر من النواب بأن ذلك يعتبر تدخلا واضحا في سير القضاء. نقطة خلافية مهة خاصة وأن الأمر يتعلق بالسلطة التشريعية من جهة ونظيرتها القضائية من جهة أخرى ويضع مبدأ التفريق بين السلط في الميزان.
خلاصة كلّ ذلك والى حين انتظار ما ستسفر عنه تلك النقاشات ومتى نصل إلى تطبيق ما نتوصل إليه وما نصادق عليه من قوانين يبقى المثل الذي ينطبق على لجان التحقيق البرلمانية الموجودة اليوم صلب مجلس نواب الشعب وأيضا تلك التي أنشأت في عهد المجلس الوطني التأسيسي هو باختصار «الكثرة وقلّة البركة».
نورة الهدار