للحقوق وذلك أمس الأربعاء 14 ديسمبر الجاري بأحد النزل بالعاصمة، تظاهرة اشرف عليها وزير العدل غازي الجريبي ومهدي قريصيعة الرئيس الأول للمحكمة الإدارية و حضرها عدد من القضاة ورجالات القانون. تم التطرق خلال هذا اليوم الدراسي إلى جملة من النقاط المتعلقة بالتفقدية العامة للشؤون القضائية وكيفية ضمان استقلالية القاضي من جهة ومراقبته من جهة أخرى.
أسئلة عديدة طرحت خلال هذا اليوم الدراسي خاصة في علاقة التفقد بالقضاء الإداري . وحسب الصورة التي تظهر للرأي العام فإن المحكمة الإدارية شعارها «الجرأة» و«علوية القانون» ولكن هذا لا يعني أن هناك قضاة يعزفون على وتر منفرد.
الرئيس الأول للمحكمة الإدارية يلعب دور التفقدية
بين وزير العدل غازي الجريبي في مداخلته بأن أكثر مؤسسة مثيرة للجدل في تونس هي مؤسسة التفقدية العامة فهناك من يثمن وجودها وهناك من يراها العصى الغليظة المسلطة على القاضي وقال في نفس السياق «يتعين العمل بكل دقة على استقرار فقه القضاء لضمان حقوق المتقاضين فهناك أصوات من القضاة الإداريين والماليين تنادي بإحداث تلك التفقدية كما أن نجاعة الهياكل تتوقف على مدى نجاعة الحوكمة والترشيد في حسن استغلال الموارد».هذا وأكد أنه في «غياب التفقد بالنسبة للقضاء الإداري كان الرئيس الأول للمحكمة الإدارية يقوم مقام التفقدية ويسهر على مراقبة ما يجري ولوحة القيادة بيده ولكن اليوم لا بد من إرساء تفقدية خاصة بهذا السلك أيضا على أن تكون في خدمة السلطة القضائية بصفة عامة». من جهته أوضح مهدي قريصيعة الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بأن غياب الرقابة أحيانا اظهر وجود شعور بعدم المسؤولية والتفكير في إحداث تفقدية أمر ايجابي ومن المنتظر أن يثير هذا الهيكل جدلا كبيرا في أروقة مجلس النواب».
الآليات والضمانات
التفقدية العامة للشؤون القضائية المنصوص عليها بقانون المجلس الأعلى للقضاء من المنتظر أن يتم سن قانون خاص بها يحدد مهامها وصلاحياتها وفي هذا السياق قال وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين «لا بد من دعم قانون التفقدية المزمع صياغته والإطار التشريعي المنظم لاستقلالية القضاء في هذا القانون وذلك بوضع تصور حول هذا الهيكل وما يجب أن يتضمنه من ضمانات وآليات تكفل تفقد القضاء دون المساس باستقلالية القطاع والقضاة» أما سامي الصالحي مدير المكتب المغاربي للشبكة الاورومتوسطية للحقوق فهو بدوره تطرق الى نفس النقطة فقال «شهدت النصوص المنظمة للقضاء بعد الثورة نقاشا وتداولا لم يقتصر على اهل الاختصاص بل تجاوزه الى الرأي العام وتم التوصل إلى إقرار دستوري تمثل في تخصيص باب للسلطة القضائية تضمن أحكاما دستورية مهمة تم توصيف القضاء كسلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية القانون من جهة وإقرار الاستقلال الفردي للقاضي من جهة أخرى ،كما لا يمكن ضمان هذه الاستقلالية إلا بوجود آليات مؤسساتية وتشريعية تحيط المؤسسة القضائية والقضاة بضمانات توفر تكريس حياد القاضي وتمكن من إصدار أحكام عادلة وموضوعية وبالتالي فإنه عند ارساء التفقدية العامة للشؤون القضائية لا بد من وضع معايير لمتابعة القاضي ومساءلته تكون شفافة وموضوعية وواضحة الصياغة حتى لا تكون محل تأويلات مختلفة».
مخاطر سلطة وزير العدل على التفقدية
تناول محسن الدالي متفقد بوزارة العدل موضوع التفقدية العامة الهيكلة والمهام اذ بين عديد النقاط التي ربما لم تكن واضحة للعيان بخصوص هذا الهيكل خاصة في علاقتها بوزارة العدل وبالهيئة الوقتية للقضاء العدلي اذ قال «الدستور الجديد تضمن 3 فصول لها علاقة مباشرة بالسلطة القضائية وبالتفقدية العامة للشؤون القضائية فالفصل 27 نص على ضرورة توفر المحاكمة العادلة فماذا اذ لم تتوفر وماهو دور التفقدية هنا؟ ، الفصل 102 يقول بأن القاضي مستقل ولا سلطان عليه في قضائه غير القانون ،ماذا لو غاب سلطان القانون وحضر سلطان المال والرجال؟ أي دور للتفقدية حاضرا ومستقبلا؟ ،الفصل 103 تحدث عن النزاهة والكفاءة والحياد ،أي دور للتفقدية في مراقبة تلك الشروط وخاصة هل تتدخل في مراقبة مدى كفاءة القاضي؟ « أما عن علاقة التفقدية العامة الحالية بوزارة العدل فقال الدالي «الفصل الأول من الأمر عدد 3152 المؤرخ في 1 ديسمبر 2010 ينص على أن التفقدية العامة من مشمولا ت وزارة العدل فهي مصلحة من مصالح وزير العدل كما أن المتفقد العام هو مستشار لدى وزير العدل وفق مقتضيات الفصل 2 من ذات الأمر بالإضافة إلى ذلك فإن كل مهام التفقدية تنجز تحت السلطة المباشرة لوزير العدل وترتبت عن هذه السلطة عدة نتائج فوزير العدل يأذن بتفقد كل المصالح والمؤسسات الخارجة عن إطار الوزارة و الأمر بإجراء الأبحاث التأديبية التي يراها فضلا عن تكليف التفقدية العامة بأي مهمة أخرى ولو لم يكن في مجال اختصاصها بل الاخطر من ذلك فإن كل النتائج التي تتوصل إليها التفقدية هي مجرد اقتراحات لوزير العدل فعلى سبيل المثال يمكن أن تتوصل إلى إثبات أخطاء من قبل احد القضاة ولكن وزير العدل يقرر حفظ الملف وهذا حدث في أكثر من مرة ولأسباب لم تكن في طريقها كما يمكن أن يحدث العكس وهذا حصل أيضا.»
علاقة التفقدية العامة بالهيئة الوقتية للقضاء العدلي لا تقل أهمية، إذ تطرق محسن الدالي إلى ما اسماه إقصاء المتفقد من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بعد أن كان عنصرا فاعلا في الهيئة الوقتية للقضاء العدلي عندما تنتصب للنظر في المسار المهني للقضاة كما ان المتفقد عضو مقرر لايصوت في المسار التأديبي للقضاة مبدئيا ذلك منطقي ولكن عدم الفاعلية تجاوز ذلك لأن المتفقد لا يمكنه الطعن في القرار التأديبي على حد تعبير الدالي.
هل يحتاج القضاء الإداري إلى تفقد؟
سؤال أجاب عنه الحبيب جاب الله بنعم شريطة أن لا يشمل العمل القضائي الصرف وقال في ذات الخصوص « هناك ظروف واكبت ظهور المحكمة الادارية اذ كانت في الماضي تتكون من 16 شخصا فقط (الرئيس الاول، 3 مندوبي دولة، 3قضاة تحقيق،3رؤساء دوائر و6 مقررين) ،في الثمانينات التحق 14 قاضيا آخر وكان الكل يقطن تحت سقف واحد 10 نهج روما وكان الرئيس الاول لا تفوته شاردة ولا واردة ومشرف على كل شيء وكان العين الساهرة على المحكمة الادارية ولكن في التسعينات تغير الأمر وأصبح لا بد من الوقوف على تنظيم العمل ومن يعاين حضور القضاة وسرعة الانجاز خاصة وان هناك بعض القضاة أصابتهم العدوى فأصبحوا يعتبرون انفسهم ابطالا بمجرد وصولهم الى ذلك المنصب وهناك عدة ملفات في قضايا اخلاقية وغيرها»