سنة مرت على استهداف المتحف الاثري بباردو: ملف القضيّة بين فرضيّتي الإفراج عن المتهمين أوالتفكيك

مرّت أول أمس سنة بأكملها على أحداث باردو الأليمة و التي خلفت لدى الجميع ذكرى مأساة ليس علي المستوي الوطني فحسب بل امتدت أثارها علي المستوي الخارجي. حادثة اختلط الضحايا فيها من مختلف الجنسيات نتيجة عملية غادرة سوف يبقى رجع صداها قائما فينا و بيننا.

في الأثناء و توازيا مع ذلك بقيت التحقيقات تراوح مكانها الأمر الذي يطرح فرضية وقوع تفكيك الملف القضائي و إلا تنتهي الفترة القانونية للإيقاف التحفظي مما يعني فرضية ... الإفراج على المتهمين.
الاحتفالية التي أقيمت بالمناسبة كانت مفعمة بالرمزية من ذلك أنها انتظمت في المكان نفسه الذي كان مسرحا للمأساة وهو أمر ملفت للانتباه للعديد من الأسباب. فالقدر أراد أن تبقي ذكري الأحداث راسخة إلي الأبد و لا يمكن أن نتصور مكانا أفضل ليقوم بذلك إلا متحفا. مصادفة ثنائية المكان كمكان وقوع الحادثة و مكان لحفظ الذاكرة الجماعية لها العديد من المدلولات بحيث تبقى الذكري خالدة يطلع على فحواها كل الأجيال و نتعظ كلّنا بدروسها بشكل مستمر. متحف باردو سيكون بالتالي أمينا على هذه الذاكرة ولقد سعي القائمون عليه والمنظمون لاحتفالية الأحداث على ترك بعض البصمات حية، ظاهرة للعيان معبرة بكل صدق عن هول ما وقع. ولعل اثأر الطلقات النارية الغادرة علي الجدران والأماكن التي طالها الإرهاب هي اصدق دليل علي ذلك. بعض هذه الآثار بقيت كما هي و لم يرد منظمو الاحتفالية لهذه السنة إخفاءها أو محوها إبقاء للذاكرة و تكريسا لفداحة الأفعال. النقاش مطروح في هذا الخصوص إذ هنالك من لا يوافق على هذا التمشي ويرى أن هذه الآثار ليس لها ان توجد ويجب ترتيبا علي ذلك محوها لأنها لا ترمز إلى شيء و لا تضيف أي معنى للحدث وفي المقابل هنالك من يؤكد علي ضرورة إبقاء الأمور كما هي خصوصا وأننا في رحاب متحف مهمته الأساسية المحافظة على مثل هذه الرموز الحية التي تبقى للذاكرة كل مصداقيتها.

الجدارية ومدلولاتها
كان من المنتظر أن يقع انجاز جدارية كبيرة تخلد ما وقع و ذلك ما تم فعلا في الذكرى الأولى، لوحة فسيفسائية مصنوعة على الطراز الروماني تحمل صور وأسماء الضحايا الذين سقطوا يبلغ طولها 12.5 متر وعرضها 2.5 متر، وقد تم العمل عليها مدة 6 أشهر من قبل حرفيٍين مختصين من جهة الجم. رمزية فائقة أخري مخلدة لما حدث ومتضمنة لجزئيات صغيرة أعطت قيمة معنوية مضافة من بينها صورة ذلك الكلب «عقيل» الذي ذهب ضحية رصاصة غادرة.

في اتجاه تفكيك الملف
انطلقت الأبحاث والتحقيقات في هذه الأحداث ومازالت مستمرة إلى تاريخ اليوم هذا دون أن تنتهي إلى توضيحات كافية و مستفيضة بخصوص كل أسرارها وخفاياها. مرت سنة بأكملها و الأمور وفق البعض تراوح مكانها. الأخطر في ذلك كلّه هو ما يمكن أن يحدث لو بقيت الأمور على هذه الوتيرة. لنتصور المسالة. الخذلان أيضا. قاضي التحقيق المتعهد بالملف هو اليوم في موقف لا يحسد عليه اذ انه لم يبقى على فترة الاحتفاظ بالنسبة للموقوفين في إطار هذه القضية إلا شهران. إن لم تنتهي الأبحاث في الأثناء فان المآل سيكون في مجال الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية والذي يلوح بفرضية الإفراج علي المتهمين. هنالك فرضية واحدة لتجنب ذلك و المتمثلة في الالتجاء إلي طريقة تفكيك الملف مثلما صرح بذلك مؤخرا السيد كمال بربوش الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس. هذه الإمكانية واردة خصوصا إذا اعتبرنا أن المدة المتبقية من مدة الإيقاف التحفظي لن تكون كافية لاستكمال الأبحاث وهذا أمر لا خلاف حوله لدى أهل الاختصاص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115