بمساعدة تركيا وأدواتها ، فنراهم يتدخلون بشكل مستمر في سوريا وغيرها من الدول غير المؤيدة لسياساتهم، والعجيب أن أمريكا وتركيا يسعيان بكل طاقاتهما، للضغط على العرب من أجل السلام مع إسرائيل، وفي نفس الوقت يقفان بكل إمكانياتهما في عرقلة الحل السياسي في سوريا.
إن ما يجرى في تركيا اليوم ليس حدثا غريبا فالكل كان يتوقع ذلك من خلال تجارب التاريخ، من يدعم ويمول الإرهاب لابدّ أن ينقلب عليه يوماً ما، لأن الإرهاب لا دين له، تركيا ضحت بالكثير من الأدوار الدولية من أجل دعم ما يسمى بالمعارضة المعتدلة والجهاديين تحت حجة دعم الثورة السورية، واليوم هي تخسر الكثير من الأرواح بسبب ذلك، وبموازاة ذلك لن تكون سلسلة التفجيرات التي وقعت في تركيا أول أو آخر عمليات العنف بل أراها إحياء لأسلوب الإرهاب إذ تتعرض اليوم أجهزة الأمن التركية وبشكل شبه متكرر، إلى عمليات تفجير واشتباكات تسفر عن قتلى وجرحى في صفوف الجنود.
في هذا السياق لقي ٦عسكريين أتراك مصرعهم في هجومين منفصلين لمنظمة حزب العمال الكردستاني في مدينتي هكاري وماردين جنوب شرق الأناضول، بواسطة عبوة ناسفة يدوية الصنع، زرعها إنفصاليون انفجرت خلال مرور قوة أمنية، بالقرب من قرية شمندلي التابعة لمدينة هكاري، مما أدى إلى مقتل أربعة من أفرادها، وفي ماردين ذكر بيان صادر عن المدينة أن عناصر تابعة للمنظمة أطلقت النار في وقت مبكر على قوة أمنية خلال قيامها بعملية تفتيش، من أجل إلقاء القبض على عدد من المطلوبين في حي دريك باير، وفى السياق نفسه، ذكرت وكالة «دوجان» للأنباء أن مسلحاً أطلق النار داخل صيدلية بمستشفى جامعي في العاصمة أنقرة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وأصيب شخص بإصابة خطيرة، جاء هذا في الوقت الذي منح فيه البرلمان التركي الحصانة من الملاحقة القضائية لأفراد القوات المسلحة المكلفين بعمليات مكافحة الإرهاب ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وعلى صعيد متصل، شهد البرلمان التركي مشاجرات عنيفة، حيث تبادل نواب الحزب الحاكم والمعارضين الأكراد اللكمات والتراشق بزجاجات المياه وذلك عقب توجيه قدري يلدرم نائب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي عن مدينة سيريت انتقادات لاذعة لرئاسة هيئة الأركان التي تشن عمليات عسكرية مستمرة على السكان المدنيين الأكراد، مما دفع الأمر إلى قيام محمد عاكف حمزة جبي مساعد رئيس البرلمان بتأجيل الجلسة، وبموازاة ذلك قضت محكمة تركية بالسجن مع وقف التنفيذ على رجل أدانته بإهانة الرئيس التركي، عندما شبهه بشخصية جولوم في الفيلم الأمريكي الشهير سيد الخواتم، ونشر صورة تشبه أردوغان بتلك الشخصية على موقع فيسبوك عام ٢٠١٤، وعلى جانب آخر، عبرت أمريكا عن قلقها من حالة الحريات في تركيا بعد توقيف ممثل منظمة «مراسلون بلا حدود» وعدد من المثقفين الآخرين.
من بين الموضوعات الساخنة التي تناقش الآن ما إذا كانت تركيا ستغير سياستها تجاه سوريا؟ في الواقع فإن أولويات أنقرة المتعلقة بسوريا قد تغيرت عدة مرات منذ بداية الأزمة السورية 2011 على أساس التهديدات المتزايدة، حيث طلبت أنقرة أولا من الرئيس الأسد إجراء إصلاحات في البلاد، ثم أصبح النظام السوري التهديد الأساسي لتركيا في عام 2013 ، ثم «داعش» في 2014، ثم حزب العمال الكردستاني في عام 2016 ، وأظهرت تصريحات الرئيس أردوغان أن هذه الأولوية تتغير حسب المستجدات والمعطيات، وبالتالي فإن تغيير التكتيكات بسبب تغير الظروف، أو إجراء تغييرات دورية للأولوية أمر لا مفر منه في مثل هذه الأزمة الشائكة الطويلة، ولكن السؤال هل تعود تركيا إلى رشدها تجاه سوريا بعد أن وصل الإرهاب إلى بيتها؟.
هذا ويرى مراقبون بأن الإرهاب سيعود إلى منابعه وداعميه ، وكانت تركيا أحد المنابع التي درّبت ودعمت الجهاديين في سوريا، وهي اليوم تتعرض لنفس الهجمات، لذلك يجب أن تعرف أنقرة أنّ ما تعرضت له سوريا منذ أكثر من خمس سنوات وما تتعرض له اليوم هو إرهاب عالمي لا يعرف دولة ولا يميز بين شعب وآخر، وليس هدفه إسقاط سوريا فقط بل هدفه تدمير المنطقة وتفتيتها.
في إطار ذلك يجب أن يدخل مفهوم جديد وجدي هو «الحرب على الإرهاب» أي وضع خطط حقيقية مدروسة بأموال وسلاح وقوات وتكون على رأس هذه الخطط دولة عربية فاعلة لديها خبرة متراكمة في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه،كما لديها أجهزة لجمع المعلومات وإجهاض مثل هذه المحاولات الإرهابية، ولديها القدرة والفاعلية، للوصول إلى العناصر الإرهابية.
د. خيام الزعبي-
كاتب سياسي