وقد انطلق رئيس الجمهورية امس في استقبال الوفود التي بدأت تتوافد على مطار قرطاج الدولي من افريقيا واليابان وآسيا ودول أخرى .
تحولت تونس الى خلية نحل طوال الأيام الماضية لاستقبال ضيوف هذه الندوة على أكمل وجه ، من تنظيف للشوارع وتهيئة للقاعات التي ستضم فعاليات المؤتمر. وقد استنفرت كل طاقات الدولة من وزارات وسلطات لإنجاح هذا الحدث الهام والاستثنائي باعتبار ان تونس ستكون محط أنظار العالم ، وهذا بحد ذاته فرصة لإعادة الاعتبار للدبلوماسية التونسية وتعزيز مكانتها وإشعاعها افريقيا ودوليا .
كما شهدت تونس نشاطات وفعاليات موازية ثقافية ورياضية وفكرية واقتصادية بمبادرة من جمعية الصداقة التونسية اليابانية واشراف سفارة اليابان بتونس ومنظمات المجتمع المدني ووزارات مختصة مثل وزارة الثقافة ووزارة المرأة وغيرها ، اضافة الى الدور الهام الذي تبذله وزارة الخارجية في إطار الدبلوماسية الاقتصادية . وقد أكد سفير اليابان شينزوكي شيميزو ان «تنظيم مثل هذه الأنشطة يؤكد مدى انخراط كل الاطراف في تونس لانجاح قمة تيكاد 8 من خلال اقامة عدد من العروض والانشطة الشبابية او الرياضية او الثقافية والتي من شأنها تعزيز العلاقات بين اليابان وتونس ومختلف البلدان الافريقية التي ستسجل حضورها في اشغال القمة المرتقبة».
هل ستحقق القمة أهدافها؟
تهدف القمة إلى تنمية أفريقيا من خلال عقد شراكة مع المجتمع الدولي لتحقيق النهوض والتنمية في القارة، وتعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين أفريقيا وشركائها للتنمية، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الإفريقية. وهي تضم خمسة أطراف رئيسية يطلق عليها المنظمون المشاركون، وهي: حكومة اليابان، مفوضية الاتحاد الأفريقي، مكتب المستشار الخاص لشئون إفريقيا التابع للأمم المتحدة، برنامج الأمم المتحدة للتنمية، البنك الدولي.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
ويمثل انعقاد القمة فرصة ذهبية لتونس، اذ ان اختيارها لاحتضان هكذا منتدى دولي على غاية من الأهمية ولم يأت بالصدفة، فقد وجد اليابانيون في بلادنا كل الظروف المؤاتية لاحتضان ندوة تعكس رؤية اليابان لافريقيا ككل وخارطة الطريق اليابانية نحو افريقيا خاصة ، والتي من المهم ان تبدأ وتمرّ عبر بلادنا . ومن المؤهلات العديدة التي تمتلكها تونس موقعها الجغرافي الهام اضافة الى المؤهلات والقدرات والكفاءات البشرية في مختلف الميادين التي تهمّ اليابان وخاصة في المجالات التكنولوجية والصناعية والطبية وغيرها . وتؤكد التقارير بأن هناك قرابة 81 مشروعا تونسيا ستعرض على الأطراف اليابانية بقيمة 2.7 مليار دولار. ولعل التحدي الأهم اليوم ليس فقط في قبول هذه المشاريع بل في الانطلاق بتنفيذها وديمومتها وما يمكن ان توفره من فرص عمل وتنمية لتونس الغارقة اليوم في أزمتها الاقتصادية .
يبدو جليا ان الحكومة تعوّل على دور القطاع الخاص الذي انخرط بشكل كبير في كل مساعي انجاح هذه القمة التي تحظى بأهمية كبيرة لدى الفاعلين منهم المحللون الدوليون والأفارقة . صحيح ان القمة ستشهد مشاركة عدد كبير من قادة افريقيا الا ان هؤلاء المشاركين في الوقت نفسه يتسابقون للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاستثمارات اليابانية، وتسعى كل دولة الى تقديم أفضل العروض بأحسن الظروف الملائمة للاستثمار الياباني سواء من ناحية توفير المواد الأولية او القدرات البشرية او القوانين التي تدعم الاستثمار في هذه البلدان وهو ما تفتقده دول كثيرة بسبب البيروقراطية الادارية التي شأنها ان تنفّر أي مستثمر ياباني او غيره . وقد أخدت عديد الدول في الوعي بأهمية مراجعة قوانين الاستثمار على غرار الجزائر التي انطلقت فعليا في اعداد قانون خاص للاستثمار للتشجيع على الإستثمار الأجنبي .
المقاربة اليابانية لافريقيا
وتجدر الاشارة الى ان اهتمام اليابانيين بافريقيا انعكس في انشاء تيكاد سنة 1993 والذي يعد ترجمة للرؤية والمقاربة اليابانية الجديدة للعلاقات الدولية لا فقط مع افريقيا بل مع العالم برمته خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وقيام نظام دولي جديد قائم على التعدية القطبية . وخلال العقدين الماضيين كثّفت اليابان من جهودها من أجل اقتحام القارة الافريقية ومنافسة القوى التقليدية الدولية والغربية ولكن مع اختلاف كبير بين المقاربتين اليابانية والأوروبية او الامريكية والصينية . فاليابان تنظر لافريقيا كشريك في التنمية بينما تنظر الدول الغربية للقارة السمراء كمنطقة خصبة للثروات الطبيعية التي لطالما كانت لعنة على كثير من دولها . وهذا ما يفسّر استحواذ اليابانيين على ثقة الأفارقة نظرا لتشاركها معهم القيم الإنسانية المشتركة التي تهدف الى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام للبشرية ، وان النجاح في ذلك لا يتعارض مع تحقيق المصالح الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية الخاصة بكل طرف على حدة .
وتسعى اليابان الى تعزيز تواجدها في السوق الإفريقية في العديد من المجالات، ويقدر الخبراء عدد الشركات اليابانية أو فروعها العاملة في إفريقيا بقرابة 800 شركة على غرار العملاق «ياماها.
يشار الى ان القارة الإفريقية تحتوي على موارد طبيعية وأولية ضخمة حيث تضم حوالي 50% من احتياطي الذهب، و30% من اليورانيوم وتنتج ما يقارب 90% من البلاتين ، و40% من إنتاج الألماس، وتنتج 9 بالمئة من الخام الحديد من إجمالي إنتاجه حول العالم.