من الأصوات وسط ترحيب أوروبي وغربي . ولئن اعتبر فوز ماكرون بـ «التاريخي» الا انه يواجه جملة من التحديات والصعوبات المتعلقة أساسا بالانقسامات السياسية التي تشوب المشهد العام في فرنسا والتي ستلقي بثقلها على عهدته الثانية . اذ لا شك بأن شرائح فرنسية عديدة صوتت لماكرون ليس اقتناعا ببرنامجه الانتخابي بل خوفا من ولوج اليمين المتطرف الى الاليزيه وهو سيناريو أثار خوف شرائح واسعة على غرار ناخبي اليسار وكذلك فئات المهاجرين .
والملاحظ أن اليمين المتطرف بدأ يحقق تقدما ملحوظا في المجتمع الفرنسي فلأول مرة تخطى اليمين عتبة الـ 40 % في الانتخابات . فلوبان تمكنت من تقليص الفارق الانتخابي إلى النصف مقارنة برئاسيات 2017، حينما خسرت أمام ماكرون بـ66.1 % مقابل 33.9 %، بفارق 32.2 نقطة.
والملاحظ ايضا نسبة الامتناع الكبيرة التي تمّ تسجيلها في انتخابات الرئاسة وهو ما يعكس فتورا لدى عديد من الناخبين والشرائح الفرنسية ازاء كل من ماكرون ولوبان. فقد بلغ معدل الامتناع عن التصويت نحو 28 % من الناخبين المسجلين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والبالغ عددهم 48.7 مليون مسجل وفقا لتقديرات معاهد لسبر الآراء. ونسبة الامتناع في الجولة الثانية للرئاسيات أعلى بـ1.7 % مقارنة بالجولة الأولى التي سجلت معدل 26.3 %.
رسائل عديدة
ولعل الخوف من اليمين المتطرف دفع الفرنسيين مرة جديدة الى اعادة انتخاب ماكرون رغم ان عهدته الماضية شهدت الكثير من الأحداث والتشنجات والمظاهرات على غرار احتجاجات السترات الصفراء كذلك تداعيات وباء كورونا . وتزامنت مع مناخ اقتصادي ومجتمعي متوتر تشهده القارة الاوروبية والعالم، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية . وقد أقرّ ماكرون بذلك في أول خطاب ألقاه بعد النصر، ووعد بـ»تجديد أسلوبه» لقيادة فرنسا، مؤكدًا أنه سيكون «رئيسًا للجميع».
وقال إن «هذه المرحلة الجديدة لن تكون تتمة لخمس سنوات انتهت، إنما اختراعا جماعيا لأسلوب على أسس جديدة لخمس سنوات أفضل في خدمة بلدنا وشبابنا» ودعا إلى التحلي بـ«حسن النية والاحترام» في بلد «يغرق في الكثير من الشكوك والانقسامات».
ويعتبر الباحث في أكاديمية باريس للجيوبولتيك د. فيصل جلول لـ«المغرب» ان هناك رسائل عديدة تحملها الانتخابات الفرنسية ونتائجها المعلنة اولها بان الفرنسيين لا يريدون الاستسلام لليمين المتطرف لرسم مستقبلهم وهذا ما دفعهم لإعادة انتخاب رئيس لا يملك اجماعا على سياسته في مواجهة الجائحة وعلى إصلاحاته المؤذية في قانون التقاعد والمحروقات وسياسته الأوروبية وغيرها من الملفات الشائكة .
واشار محدثنا الى ان استطلاعات الرأي سبق ان توقعت فوز ماكرون بحوالي 56% من الناخبين وان الرجل سيخلف نفسه بنفسه بنسبة 51 إلى 52% في الحد الأدنى، وسيكون الرئيس الأول الذي تمكن من تولي الحكم مرتين منذ أن خفض الرئيس الراحل جاك شيراك سنوات الرئاسة من سبع إلى خمس سنوات.
واعتبر جلول بأن المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين المرشحين كانت حاسمة بكل المقاييس فقد بدا واضحا بان ماكرون هو الرئيس المنتظر في حين بدت المرشحة لوبن تواجهه بمطالب المعارضين لسياساته. ولعل هذا الشعور استقرّ في وعي قسم وافر من المقترعين المترددين الذين لم يحددوا خيارهم بعد. ودفعهم لاختيار ماكرون . ويضيف محدثنا :«كما دفع الخوف من اليمين المتطرف قسماً وافراً من الفرنسيين ذوي الأصول العربية والإسلامية إلى الاقتراع ضد اليمين المتطرف الذي بنى استراتيجيته على العداء للعرب والمسلمين بخاصة والأجانب عموماً، علماً أن لوبن قد نجحت إلى حد كبير في تعديل صورة حزبها البشعة في أوساط الرأي العام، إلا أن تحالفها مع أريك زمور في الدورة الثانية أعادها إلى المربع الأول، بالنظر الى خطابه المتطرف فهو اعلن عن رغبة وارادة بتغيير أسماء المسلمين وكتم أصواتهم أثناء الصلاة ومنع الحجاب في الأماكن العامة ونزع الجنسية عمن يرى أنه لا يستحقها وتصعيد التوتر مع بلدان المسلمين الأصلية».
صعوبات عديدة
يواجه ماكرون صعوبات وتحديات جمّة داخلية وخارجية لعل أهمها الانتخابات التشريعية المقررة في جوان القادم وما ستتمخض عنه من تحالفات وخارطة سياسية جديدة في المشهد الفرنسي. في هذا السياق يؤكد جلول بأن فرنسا لن تتنفس الصعداء لأن ماكرون قد لا يتمكن من الحصول على أكثرية برلمانية لتطبيق برنامجه في الحكم وسيكون مضطراً للتعايش مع حكومة يريدها خصومه». مشيرا الى ان ذلك يبقى رهينا بطبيعة التحالفات القادمة والتي ستنشأ خلال الانتخابات القادمة.
وبالعودة الى خارطة التصويت الناخبين فبدا جليا بان لوبن حصلت على 60 % من أصوات ناخبي المنطقة الشمالية الشرقية وهؤلاء يريدون استعادة ماضي فرنسا المجيد بعين اليمين المتطرف الذي تمثله لوبن . في حين ان من صوّتوا لماكرون هم في الأغلب في المدن الكبيرة ومن الطبقات المتوسطة والمتقاعدين والمهاجرين. وقد اعتبرت لوبان أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصارًا مدويًا» وتعبيرًا من جانب الفرنسيين عن «رغبة» بإقامة «سلطة قوية مضادة لإيمانويل ماكرون». وأعلنت أن «هذا المساء، نبدأ المعركة الكبيرة من أجل الانتخابات التشريعية».
فالأكيد ان المعركة ستكون حامية الوطيس من أجل الفوز في البرلمان بين حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه لوبن وبقية الأحزاب . كما ان مرشح اليسار الراديكالي جون لوك ميلونشون الذي حقق نتيجة مريحة بحصوله على 22 بالمئة من الأصوات ، دعا الى التعبئة للانتخابات القادمة .
فالاستحقاق البرلماني القادم يعد بمثابة الجولة الثانية من هذه المعركة التي لم تنته بعد بين اليمين المتطرف وباقي الأحزاب التقليدية او الليبرالية وغيرها . ومن المرجح ان تتمكن لوبان من الحصول على مقاعد مريحة وهو ما يؤهلها للمشاركة في أية حكومة ائتلافية قادمة ، وذلك ستكون له تداعيات كبيرة على ملف المهاجرين واللاجئين وكذلك ملف الانسحاب من الاتحاد الاوربي وغيرها.
ترحيب اوروبي
أما على المستوى الخارجي فالملاحظ بان فوز ماكرون كانت له أصداء ايجابية في الأوساط الاوروبية . اذ أبدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ارتياحها للنتيجة مشيرة الى ان ذلك سيمكنها من مواصلة التعاون الممتاز، قائلة:«سنمضي قدمًا بفرنسا وأوروبا». كما اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس أن إعادة انتخاب ماكرون «إشارة قوية لصالح أوروبا». وعبّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن سروره «بأن نواصل العمل معا».
من جانبه، هنأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ماكرون قائلًا «أُقدّر دعمه وأنا مقتنع بأنّنا نتقدّم معًا نحو انتصارات مشتركة جديدة. نحو أوروبا قويّة وموحّدة». فيما تمنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لماكرون «النجاح».
من جهته، كتب الرئيس الأمريكي جو بايدن على تويتر «أتطلّع إلى استمرار» التعاون مع باريس «بما في ذلك دعم أوكرانيا والدفاع عن الديموقراطيّة ومواجهة تغيّر المناخ».
في حين أعرب الرئيس الصيني شي جينبينغ عن أمله بـ «مواصلة العمل مع الرئيس ماكرون كما كانت الحال منذ إقامة علاقاتنا الدبلوماسية، للدفاع عن مبادئ الاستقلال والتفاهم المتبادل والبصيرة والمنافع المتبادلة.
ماكرون رئيسا للفرنسيين للمرة الثانية وهو يعدُ بالتغيير: انقسام الخارطة السياسية يؤجّج المعركة البرلمانية القادمة
- بقلم روعة قاسم
- 09:25 26/04/2022
- 454 عدد المشاهدات
حقّق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فوزا مريحا على منافسته اليمينية المتطرفة وزعيمة «التجمع الوطني» مارين لوبان اذ تحصل عى نحو 58.5 بالمئة