قال أبوبكر الديب الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية ومستشار المركز العربي للدراسات ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث لـ«المغرب» أنّ جائحة كورونا ألحقت أشدّ الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وأسقطت ملايين الناس في دائرة الفقر والذين قد يصل عددهم إلى 115 مليون شخص على مستوى العالم مضيفا أن خسائر الاقتصاد العربي من الجائحة وصلت الى ما يقارب 500 مليار دولار.
• ما قراءتكم للمشهد الشرق أوسطي سياسيا واقتصاديا بعد جائحة كورونا ؟
أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تتعافى اقتصاديا بشكل كبير خلال العام المقبل رغم التحذيرات من ظهور موجات جديدة من فيروس كورونا التي قد تؤدي الى فرض الإغلاق على بعض الاقتصاديات، لأن دول العالم بشكل عام والمنطقة ودول بشكل خاص بدأت تتوسع في تلقيح سكانها ضد كورونا بشكل متزايد وتحرص على توزيعها بشكل عادل، مع دعم كبير للرعاية الصحية بها.
وبدأت دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب الاستعدادات للخروج من الحجر الصحي، ورغم وجود مخاوف من حدوث انتكاسات، إلا أن خطاب حكومات دول المنطقة يحمل نبرة انتصار على الوباء ويمكننا القول بأنها حرجت من الأزمة أو كادت بأقل قدر من الخسائر في الأرواح ومع ذلك أثرت الأزمة اقتصاديا على دول المنطقة الثلاث فقد كلف الحجر الصحي المغرب مليار درهم يوميا رغم رصد 32.7 مليار درهم لصندوق إدارة الأزمة.
تحتاج تونس في رأيي إلى إحداث إصلاحات في الاقتصاد وتحريره وتوسيع دور القطاع الخاص، وإعادة النظر في أوضاع الفلاحين ودعمهم وهيكلة الأنشطة الإقتصادية التي تهيمن على حوالي 50 % من اقتصاد البلاد. أما في الجزائر اعتقد أن الدولة الجزائرية مازالت تحتفظ بدور اجتماعي موروث عن النظام الاشتراكي، هذا الدور لا يمكنه أن يصمد في ظل تراجع الاعتماد على موارد الطاقة التي تعرضت لضربة كبيرة بسبب انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية قبل أن يرتفع، حيث يقدر حجم الخسائر بأكثر من 2 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط.
• هل ستنجح الدول العربية في رايكم في تجاوز تاثيرات هذا الطارئ الصحي الذي أرق العالم؟
تأثرت دول الشرق الأوسط بالتأكيد من ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين في أواخر عام 2019، وتسبب في اضطراب اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل مباشر من خلال انتقال العدوى، أو من خلال التأثير على أسعار النفط وحركة السياحة والسفر وقد انتشر الفيروس من إيران إلى المغرب وهوت أسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل لأول مرة منذ اكتشافه، وسادت حالة من الإغلاقات العامة وارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، وألحق فيروس كورونا أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وأسقط ملايين الناس في دائرة الفقر والذين قد يصل عددهم إلى 115 مليون شخص على مستوى العالم أغلبهم في جنوب آسيا ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء ليصبح العالم في حاجة ماسة إلى جهود مضاعفة لمكافحة الفقر المدقع في السنوات العشر المقبلة.. ووصلت خسائر الاقتصاد العربي من الجائحة الى ما يقارب 500 مليار دولار.
• كيف تأثرت دول الخليج وهل نجحت في تجاوز الجائحة ؟
المتابع لحال الاقتصاديات الخليجية خلال 2020، يلاحظ تأثرها بوباء كورونا كسائر الاقتصاديات العالمية خاصة مع انخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية فضلا عن خفض الإنتاج لتحقيق التوازن في الأسواق مما أثر بالطبع على القطاع الصناعي.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يلعب القطاع الصناعي دورا مهما في التنمية الاقتصادية من خلال معدلات النمو رغم الظروف العالمية التي فرضتها جائحة كورونا وتهدف الدولة إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 مليار درهم بما يعادل 82 مليار دولار، بحلول عام 2031 ، أي خلال الأعوام الـ10 المقبلة، من خلال تطوير القطاع الصناعي وتعزيز القيمة الوطنية المضافة لقطاع الصناعة، فضلا عن الدعم الذي تقدمه الإمارات للقطاع الصناعي والذي يمثل حافزاً كبيرا للمستثمرين إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة وصناعات التقنيات والذكاء الصناعي والصناعات الفضائية والطبية والطاقة النظيفة والمتجددة والآلات والمعدات والصناعات النفطية والثقيلة والدوائية، والأغذية والمشروبات.
وتم تحويل الإمارات إلى مركز إقليمي وعالمي لصناعات المستقبل، وتعزيز الصادرات إلى الأسواق العالمية والشراكة بين القطاعين العام والخاص ودعم برامج التطوير والمحفزات التي تم إطلاقها سواء من قبل الحكومة الاتحادية أو في الحكومات المحلية في دعم القطاعات الاقتصادية ومن ضمنها القطاع الصناعي وظهرت بوادر التعافي على اقتصادات دول الخليج العربية من جائحة كورونا التي عصفت بالعالم أجمع، وهناك فرص لأن تقفز معدلات النمو بها إلى 3.5 % في العام المقبل ونمو اقتصاد السعودية بـ3 %، وسط أداء أفضل للاقتصاد السعودي في 2022 بنمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمملكة 4.8%، مع انخفاض الدين العام ليصبح 30% من إجمالي الناتج المحلي.
وتهدف رؤية 2030 إلى تحويل السعودية إلى قوة صناعية ومنصة لوجستية عالمية عبر تنمية القيمة المحققة من قطاعي التعدين والطاقة والتركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة فيها.وفي الكويت تقلص الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 23% بنهاية أول 9 أشهر من 2020 بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا وتوقفت النشاطات الاقتصادية بشكل شبه تام خلال النصف الأول من العام الماضي، قبل عودتها بشكل تدريجي خلال الربع الثالث من العام.. وانتعاشها حاليا .
وفي سلطنة عمان تمكن قطاع الصناعات التحويلية من تشغيل 1185مواطنا خلال الفترة من الأول من جانفي الى الثالث من جوان 2020، رغم جائحة كورونا انتشار جائحة فيروس كورونا التي خلقت فرصاً لرفع الإنتاج في عدد من المنشآت الصناعية في السلطنة من خلال تصنيع المعدات والمستلزمات الطبية ودخلت عدد من الشركات قطاع تصنيع الكمامات والقفازات والمعقمات والمستلزمات الطبية الأخرى.ونجحت دولة البحرين على مدى السنوات الماضية في تنمية القطاع الصناعي بسبب سياساتها الاقتصادية المتميزة من خلال برنامج عمل القطاع الصناعي والذي يهدف إلى عدم الاعتماد على منتجات النفط والغاز الطبيعي فقط وانشاء مناطق صناعية جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية،
وتتجه دول الخليج العربية إلى دعم القطاع الصناعي في الأعوام المقبلة خاصة الطبية بعد أن شهد القطاع دعما ملحوظا خلال فترة جائحة كورونا.. من خلال تشجيع الصناعات الطبية والعمل على إعطائها الأولوية خاصة في ظل ظروف كورونا، حيث تم تحفيز القطاع بالاستثمارات الخليجية والأجنبية ودعم القطاع الخاص لضمان عدم تأثر أصحاب الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تأثير الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الجائحة.
عموما بدأ مسار الخروج العربي من الأزمة باتّجاه التعافي ومن المتوقّع أن يتخطّى النموّ الاقتصادي التوقّعات السابقة حتّى لو أخذ التعافي فترة أطول اذ يعتبر 2021 عام التحوّلات وفيه ظهر الركود في النشاط الاقتصادي بصورة أكثر دقّة مما يدعو الدول العربية الى التحول نحو نماذج اقتصادية أكثر مرونة واستدامة، وزيادة برامج الحماية المجتمعية للفقراء ومن الضروري أن تتعامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -إضافة لتسريع عملية التلقيح بطريقة شاملة- للاستفادة من الفرص الجديدة للتعاون الإقليمي والدولي الأوسع. وتحتاج الكثير من الدول العربية الى تطوير أنظمتها الصحية والموارد المتاحة لمواجهة الأوبئة بشكل عام وكورونا بشكل خاص.
• كيف ترون سياسة الادارة الامريكية الجديدة تجاه دول الشرق الاوسط سياسيا واقتصاديا؟
أثار تصاعد أسعار النفط ومشتقاته كالبنزين يوما بعد يوم غضب واستياء الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه الرئاسي، حيث أكد البيت الأبيض، في أكثر من مناسبة، إنه قلق بشأن تأثير ارتفاع أسعار النفط على المستهلكين الأمريكيين، مضيفا أنه يعتقد في وجود طاقة إنتاج نفطية احتياطية كافية في جميع أنحاء العالم.
• يعيش العالم ازمة محروقات حادة فكيف كانت تداعيات ذلك على اقتصاديات الدول العربية والمغاربية والخليجية برايكم ؟
بلغت أسعار الغاز في أوروبا مستويات قياسية تتفاقم يوما بعد الآخر، حيث تواجه بريطانيا وايطاليا نقصا في المعروض أشبه بما حدث في أواخر السبعينيات، في الوقت الذي تغلق فيه المصانع الصينية أبوابها بسبب نقص الطاقة مما يفتح الباب على مصراعيه للتنبؤ بأزمة عالمية تدخل الإقتصاد العالمي في دائرة الركود،
• واجه لبنان أزمة اقتصادية حادة فما تقييمكم للدور العربي في مساندة لبنان وكيف تري توتر علاقاته مع دول الخليج؟
يكلف توتر العلاقات مع الخليج لبنان خسائر سنوية تصل لمليار دولار كما أن حظر الاستيراد والتصدير والإستثمارات الخليجية يسحق اقتصاد اللبنانيين.. وعلى نخبة لبنان الحاكمة إعلاء مصلحة الشعب .
ويحتاج الإقتصاد اللبناني إلى 5 عوامل أو خطوات عاجلة لحمايته من الإنهيار منها إصلاح النظام النقدي والمالي لإستقرار سعر صرف الليرة لتنمية الصادرات والحد من ظاهرة «دولرة» الإقتصاد، وإنشاء جهاز مستقل عن البنك المركزي لإدارة الدين العام ومنحه الاستقلال الإداري عن وزارة المالية، كما هو الحال في دول عديدة، وفصل الرقابة المصرفية عن مصرف لبنان وإعطائه استقلالا ماليا وإداريا وإعادة النظر بهيكلة معدلات الفائدة.
• ما رأيكم في مؤتمرات ومساعي إعادة تعمير الدول العربية التي أنهكتها الأزمات والصراعات المسلحة بعد عام 2011، مثل سوريا وليبيا والعراق ؟
على غرار مشروع «مارشال» لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي أثناء الحرب ووزير الخارجية الأمريكي، بعد تدمير الاقتصاد الأوروبي وانهياره وكساده إلى حد كبير وانتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، تسعى بعض الدول العربية وأطراف دولية الى إطلاق «مشروع مارشال عربي»، في دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» والتي شهدت حروبا على تنظيم داعش الإرهابي أو حروبا أهلية وصراعات بعضها ممتد إلى يومنا هذا، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان وقطاع غزة الذي دمره العدوان الإسرائيلي الأخير عليه.
ومنذ عام 2011، واجهت عدد من الدول العربية موجات من الصراعات والحروب والأزمات التي خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة لم تشهدها المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحسب تقارير دولية كبدت هذه الحروب والصراعات الدول العربية خسائر زادت عن 900 مليار دولار وأضافت 22 مليون مواطن عربي الى طابور البطالة، أما تقديرات جامعة الدول العربية فتشير إلى أن تكلفة الصراعات والحروب في الدول العربية تصل إلى 640 مليار دولار منذ 2011.
على سبيل المثال تعانى سوريا من دمار وخراب بسبب الحرب الأهلية منذ 2011، مما أدى الى تدمير البنية التحتية لعدد كبير من المدن بشكل كامل، ووفقا لما أكده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، تقدر عملية إعادة إعمار المدن المدمرة في سوريا بحوالي 900 مليار دولار وهى الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة إعمار دولة مدمرة، ويثير هذا المبلغ لعاب الدول التي تتطلع لدور أكبر في عملية إعادة الإعمار عقب إيجاد حل سياسي للأزمة.
وحسب اتحاد المقاولين اليمني، تتراوح قيمة إعادة اعمار اليمن بين 80 الى 90 مليار دولار، حيث توقفت حركة التشييد والبناء تمامًا منذ 2011.
وقد دفع لبنان ثمن الحرب السورية فقد خسر اقتصاده حوالي 25 مليار دولار، لعدة أسباب منها استضافة أكثر من 1.6 مليون لاجئ سوري مما رفع نسبة الفقر لديه إلى 30%، ومعدلات البطالة إلى أكثر من 30% وعجز المالية العامة إلى 11% ، في وقت تراجع النمو الاقتصادي من 8% سنوياً قبل الأزمة، إلى ما يقارب 1% حالياً وقدر البنك الدولي إجمالي الخسارة التي تكبدها الناتج المحلي اللبناني جراء الأزمة السورية حتى نهاية 2015 فقط بأكثر من 18 مليار دولار. فيما تقترب فاتورة إعادة إعمار العراق بعد سنوات من الحرب والاضطرابات الاقتصادية من 300 مليار دولار.. أما في ليبيا فقدرت وزارة الشؤون الاقتصادية الليبية، قيمة التمويل المطلوب لإعادة إعمار ليبيا بنحو 111 مليار دولار..ورجحت تقارير ودراسات أن تصل فاتورة إعمار قطاع غزة إلى 8 مليارات دولار.
• كيف تنظر إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وتسببها في ارتفاع أسعار الغذاء ؟
أتوقع أن ترتفع أسعار الغذاء في العالم بحلول عام 2030 بسبب حرائق الغابات وظاهرة الاحتباس الحراري.
وقد تصل فاتورة خسائر حرائق الغابات في العالم التي اندلعت خلال جويلية وأوت الماضيين إلى 5 تريليونات دولار، فضلا عن نفوق عشرات الآلاف من الحيوانات، ومقتل مئات الأشخاص وتدمير آلاف المنازل.
أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث لـ«المغرب»: العام المقبل بدء تعافي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اقتصاديا من كورونا
- بقلم وفاء العرفاوي
- 08:54 10/11/2021
- 660 عدد المشاهدات
• خسائر الاقتصاد العربي من الجائحة قاربت 500 مليار دولار
• الاقتصاد اللبناني يحتاج إلى 5 خطوات عاجلة لحمايته من الإنهيار