ذهبت إلى الحدود القصوى في التهيئة لتقسيم وتجزئة سوريا، وفي هذا الإطار وضعت على جدول أعمالها تأجيج نار الحرب الأهلية، وبذلك أصبحت أمريكا لاعبا أساسيا في خلط الأوراق في البلاد لتصفية حساباتها مع الخصوم، فعلى ما يبدو إن الحرب المستمرة بكل تفاصيلها، وضعت المنطقة برمتها على صفيح ساخن جداً، وأمام مرحلة تاريخية جديدة.
في سوريا اتجهت أمريكا في المجالات الدبلوماسية نحو سياسات النفاق والخداع، فلم تخرج إستراتيجيتها عن تسليح المجموعات المتطرفة وأخواتها من جدول أعمالها، بينما تؤكد في بعض المحافل الدولية على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة، وقد أعلن البيت الأبيض مراراً أنه قدم الأسلحة للمعارضة المسلحة، ولتحقيق ذلك صادق الكونغرس علي مبالغ بهذا الخصوص، ومن جانب آخر أعلن أنه يقبل خطة جنيف3، ويسعى إلى وقف نزيف الدماء، ومثل هذه المواقف تشير إلى أن أمريكا لا تعلم بالضبط ماذا تريد أن تفعل تجاه سوريا، فطريقة
تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الأزمة السورية كانت من أهم الأسباب التي أدت الى استشهاد مئات الآلاف في سوريا، وبالتالي فإن سياسة أوباما حيال سوريا تشبه سياسة سلفه بيل كلينتون تجاه البوسنة والهرسك. في إطار ذلك لا يمكن أن نفصل ما يجري في سوريا عما يحدث في العراق من تدمير ومن قضاء عليه كبلد عربي موحد، ولا يمكن أن نفصل ما يجري في سوريا عما يجري في مصر أو ليبيا أو اليمن والصومال وغيرها، كما لا يمكن أن نفصله عن مخططات إشاعة الفوضى والصراعات الداخلية في الدول العربية، إذن هو مخطط واحد يشمل المنطقة العربية كلها، وليس هناك من مستفيد منه إلا أمريكا وحلفاؤها والقوى الطامعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة، ولهذا ليس من الغريب أن نلاحظ أن أمريكا والغرب كلهم يقفون اليوم بكل قوة بجانب داعش والمجموعات المسلحة في الحرب التي
تشنها على سوريا، هم يفعلون هذا لأنهم يدركون أن هذه المجموعات المتطرفة تقوم بأحد الأدوار المهمة في مخطط الإبادة الأكبر للمنطقة العربية كلها، ولهذا فإن ما جرى في المنطقة ولا يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية لأن سياستها لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها. اليوم تعتزم أمريكا والغرب التعويض عن خطئهما في سوريا، ويحاولان تطويع الأزمة السورية عبر الصيغة الجديدة التي يريدانها. ومما لا شك فيه أن المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، تواجه تحديات وتهديدات كبيرة أمام الرئيس الأمريكي الجديد، بسبب نمو وتطور دول على حساب السياسة الأمريكية التي رسمها الرئيس أوباما طيلة فترة حكمه للولايات المتحدة، ومنذ
دخول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض سنة 2009 والسياسات الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط مشتتة وغير مدروسة، بدليل أن دول الشرق الأوسط اتجهت نحو وضع أكثر فوضوية. وتتلخص هذه السياسة في خسارة واشنطن لمصداقيتها، وخسارة لقب ما هو أهم بان أمريكا هي القوة العظمى في العالم، إضافة إلى التهديدات الكاذبة لأوباما التي صدع رؤوسنا بها في المنطقة، لذلك لا يجب أن يدفع خطابات المرشحين الأمريكيين في سباق الرئاسة، دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون، إلى الاعتقاد بأن ثمة إختلافاً في السياسة الأمريكية الرسمية الخارجية، لمن سيتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، فقد يكون صحيحاً وجود بعض الهوامش، لكن السياسة الأمريكية الإستراتيجية واحدة، وهي الدعم المطلق لإسرائيل والحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري، ويتضح ذلك من خلال إعتبار كلينتون القدس
عاصمة أبدية لإسرائيل، أما ترامب الذي يعادي المسلمين في أمريكا، فقد أصدر في عام 2013 شريط فيديو يساند فيه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، أثناء الانتخابات الإسرائيلية ودعمه فكرة « الدولة اليهودية» ، لذلك فإن النقطة الرئيسة، تتمثل في أن السياسة الأمريكية لا يتخذها أفراد، بل هي نتاج تفاعل بين مؤسسات مختلفة تعبر عن ميزان القوى داخل النخبة الحاكمة فهي نخبة لا فرد واحد. بالتالي نلاحظ أن السياسة الأمريكية على المستوى الإستراتيجي تتسم بنوع من الاستمرارية والديمومة ومن ذلك الإلتزام بأمن وتفوق الكيان الصهيوني لذلك لا نتوقع أي تغير في السياسة الأمريكية، والمتابع لسياسة أمريكا تجاه سوريا خلال الأزمة، يجد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة اعتمدت سياسة إشغال واستنزاف، فما أن تهدأ جبهة مواجهة حتى تفتح لها أخرى، كي تنصرف عن الاهتمام بالتطور وامتلاك القوة.
د. خيام الزعبي-
كاتب سياسي