بين الفرقاء حول مدى شرعية الحكومة في ظلّ عجزها عن توحيد مؤسّسات البلاد وإعادة الحياة إليها بعد شهرين من مباشرة أعمالها.
اتفاق الصخيرات خرج إلى العلن بعد جولات من المد والجز بخصوص تضارب مطالب طرفي الصراع الليبي ، لكن إقراره في السّابع عشر من سبتمبر 2015 والمصادقة عليه حملا آمالا داخلية وخارجية حول قرب إرساء حلّ سياسي لأزمة خانقة ألمّت بالبلاد لما يفوق الـ6 سنوات ، بيد أنّ تعقيدات المشهد السياسي في ليبيا لم تراوح مكانها منذ تولّي حكومة فايز السراج عملها-قبل شهرين - بل انضاف إليها –وفق متابعين للمشهد الليبي – صراع جديد وأشدّ ضراوة حول شرعية حمل السلاح بغض النظر عن مجالات استعماله سواء للدخول في حرب ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي أو لإعادة إحياء الحرب بين الفرقاء الليبيين خصوصا في ظل تصدّع العلاقة بين الغرب والشرق مجدّدا وعودة الخلافات إلى الواجهة مرة أخرى.
ويرى مراقبون أن عجز حكومة السراج عن تفعيل نشاط مؤسسات الدولة يأتي نتيجة الترابط الوثيق بين الفوضى السياسيّة والصّراع حول المؤسّسة العسكرية ودور الجنرال خليفة حفتر فيها .
عودة الصراع مجددا
يشار إلى أن ليبيا عانت على امتداد العامين الماضيين من فوضى سياسية وأمنيّة نجم عنها ظهور برلمانين متوازيين وسلطتين متصارعتين (المؤتمر في الغرب ومجلس النواب في الشرق)، وحكومتين منبثقتين عنهما.
السلطتان المتوازيتان في ليبيا انبثقت عنهما في الشرق عملية الكرامة بقيادة الجنرال خليفة الذي تم تعيينه فيما بعد قائدا عاما للجيش الليبي والمدعوم من مجلس النواب(طبرق) ، وفي الغرب عملية «الفجر» بقيادة المؤتمر الوطني العام بطرابلس ، مما زاد إلى الصراع السياسي حرب عسكرية على الميدان بين اطراف الصراع من جهة وضد التنظيمات المتطرفة التي استغلت هشاشة الوضع في البلاد لتنخر مفاصله.
صراع الغرب والشرق الليبي عاد إلى الواجهة مجدّدا ، بعد اشتراط برلمان طبرق الاعتراف بحكومة السراج عقب المصادقة عليه ، لكن حكومة السراج وبعد رفض برلمان طبرق منحها الثقة ، بدأت الحكومة عملها دون الرجوع إليه مستندة الى دعم دولي واسع النطاق وهو
ما يستهجنه مجلس النواب ومقره طبرق.
هذا الرفض من قبل مجلس نواب طرابلس سببه الرئيسي دور خليفة حفتر في المشهد الراهن ، إذ يطالب الشرق بضرورة المحافظة على دوره كقائد للجيش وهو ما ساندته ايطاليا مؤخرا لدعم الانتقال السّياسي في ليبيا.
وتطرح عودة الصراع احتمالات متعددة أحلاها مرّ ، ففي حال استمرار الانسداد السياسي تأتي فرضية إعلان مجلس النواب ومقره طبرق «مجلس انقاذ عسكري» لتسيير البلاد وهو مايعني الإطاحة بحكومة الوحدة.
ويربط متابعون للشان الليبي شرعية حكومة الوحدة ودور الجنرال خليفة حفتر في المشهد الراهن بمعركة تحرير سرت المرتقبة ، بالنظر إلى حشد كل من القوات التابعة للمجلس الرئاسي والقوات التابعة للجيش بقيادة حفتر للدخول في معركة «سرت» لطرد تنظيم «داعش» وتقرير المصير و تحديد الطرف الذي يمتلك الأحقية والقوة لقيادة البلد.
شرعنة «السلاح»
في هذا السياق قال المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل لـ«المغرب» إنّ الصراع عاد من جديد بين «الفجر» و«الكرامة» في ليبيا ، مشددا
على أن التوافق انهار وانهارت معه الحكومة والمجلس الرئاسي.
واعتبر عقيل أن عودة الصراع يعيد ليبيا إلى المربع الأول مشيرا إلى أن تحرك الجيشين نحو سرت بحجة مهاجمة «داعش» الإرهابي ليست النية الحقيقية مضيفا أنّ المتوقّع أن تكون المواجهة بين الطرفين .
وعن الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي في ليبيا قال عقيل ان المجتمع الدولي ممثلا في الغرب لا يملك أي نوايا جدية تجاه الملف الليبي ، نظرا لسياسة الإهمال التي يتبعها تجاه الأزمة الليبية على عكس سياسة الضغط التي يتبعها في سوريا واليمن.
وتابع محدّثنا «المجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة ويطمح لهدف آخر غير إعادة الاستقرار إلى ليبيا موحدة، فبعد ان أهمل تسوية مسألة المادة الثامنة في الاتفاق ومانتج عن ذلك من خلافات بين الطرفين علاوة على إهمال إعادة توحيد المجلس الرئاسي من جديد ليكون له فعلا
شريك استراتيجي حقيقي في ليبيا ، كل ذلك يدل أن الغرب يحاول صب الزيت على النار وآخر خطواته كانت القرار الذي تم اتخاذه في فيينا وتسليح طرف معين على حساب طرف اخر ، فذلك لا يعني أن الأطراف الحاضرة اتخذت موقفا معاديا للطرف الآخر إلا أن ذلك زاد من تغذية الخلافات بين الطرفين وهو ماظهر في البيان الذي أعلنه خليفة حفتر بخصوص عدم اعترافه بالمجلس الرئاسي وانه يخوض حربا ضد الإرهاب ويقدم ولاءه الكامل لمجلس النواب».
وعن نية الغرب التدخل عسكريا في ليبيا أجاب عقيل انه في سنة 2011 نتج عن تدخل الناتو تدمير الدولة ، حيث أصبحت ليبيا ممنوعة من التسليح بموجب قرار أممي ، مشدّدا على أن الغرب لايحتاج إلى الضغط لتبني تدخّل عسكري ، فليبيا اليوم عمليا تحت وصايته وبالتالي فان اتخاذ قرار بالتدخل لايحتاج دعوة أو مطالبة رسمية من الحكومة وفق تعبيره.
وأضاف عقيل «الواضح أن المعاناة الإنسانية التي يعيشها المدنيون والخطر الإرهابي المتجه إلى أوروبا عبر المتوسط، سببان كافيان لتبني تدخل عسكري في ليبيا إلا أن المجتمع الدولي بعدم إقدامه على ذلك يسعى إلى تكريس الانقسام في ليبيا».
وعن دور حفتر في المشهد الراهن قال محدثنا أن الصراع في بدايته كان ذا طابع امني بحت نتيجة غياب أو تغييب منظمة الأمن القومي بفعل صواريخ الناتو في ذلك الوقت التي شرذمت المؤسسة الأمنية ، مضيفا أن الصراع اليوم بات سياسيا حول شرعيّة من يحمل السلاح .وقال ان الطرف الذي يمثل الكرامة يعتبر السلاح الموجود لديه هو المشروع بموجب الشرعية التي منحها البرلمان لحفتر وجيشه ، بينما بعتبر الطرف الممثل لفجر ليبيا أن ميليشياته هي القوات الشرعية للبلاد على حدّ قوله .
واكد محدثنا ان «الطرف الذي سيشرعن سلاحه سيفوز بالوليمة كاملة، وهو من سيفوز بكل الامتيازات ومن سيحمي نفسه أيضا من متابعته ومحاسبته على التجاوزات التي ارتكبها خلال الـ5 سنوات التي مرت ، بالتالي فان الانقسام حول شرعية السلاح سيزيد من تعميق الخلافات السياسية».