وإصابة العشرات بجروح جراء إطلاق رصاص أثناء تظاهرة لمناصري حزب الله وحركة أمل ضد المحقق العدلي في ما يعرف بقضية انفجار مرفإ بيروت والجدل القائم حولها . ويُمثل التصعيد الذي هز لبنان يوم أمس وأثار حفيظة المجتمع الدولي إنذارا بدخول البلاد في مرحلة جديدة من العنف وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية في هذا البلد الذي لازال يعاني من ويلات الحروب السابقة.
يعيش لبنان منذ العام الماضي وبالتحديد 4 أوت 2020 ،واقعا اقتصاديا قاتما وصل معه بلد الأرز حافة الإنهيار المالي خاصة بعد الانفجار المُوجع الذي هز مرفأ بيروت وخلّف خسائر بشرية ومالية حادة . ورغم الإعلان عن التركيبية الحكومية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي قبل أسابيع قليلة ، يجد التشكيل الحكومي الجديد نفسه أمام تحديات عدة لعل أهمها المخاوف من تفجر الوضع ودخول البلاد في مرحلة جديدة من العنف والدموية وهو ماسيؤثّر سلبا -وفق مراقبين- على عمل الحكومة الجديدة التي تراهن على التهدئة لإنقاذ البلاد من عنق الزجاجة . ولعل من أهم الملفات التي أخرت الإعلان عن توافق سياسي تمخضت عنه الحكومة الجديدة ،كان الخلافات القائمة بين مختلف الأطياف السياسية في لبنان والتي كانت سببا في تأجيل الدعم الدولي من أصدقاء وحلفاء بيروت الذين اشترطوا تعهد السلطات اللبنانية بالقيام بإصلاحات جذرية . ومن بين نقاط التعقيد التي أدت إلى الإحتقان الذي شهده يوم أمس محيط قصر العدل حيث اندلعت المواجهات العنيفة بين مناصري حركة أمل وحزب الله اللبناني احتجاجا على قرارات القاضي طارق بيطار في ملف تفجير مرفإ بيروت.
ووفق تقارير إعلامية فقد تعرض القاضي طارق بيطار المكلف بقضية انفجار مرفإ بيروت خلال الأيام الأخيرة لحملة ضغوط اتهم فيها حزب الله الذي اعترض على استدعاء بيطار لوزراء سابقين وأمنيين لاستجوابهم في إطار التحقيقات التي يتولاها، تخللتها مطالبات بتنحيته.ونددت منظمات حقوقية عربية ودولية بما أسمته محاولة القادة السياسيين التدخل وعرقلة التحقيقات مطالبة بتكوين بعثة أو لجنة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة.
استنفار داخلي
وتحولت «مستديرة الطيونة» على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قناصة على أسطح أبنية . وبدأ إطلاق النار بشكل مفاجئ خلال تجمع عشرات المتظاهرين من مناصري حزب الله وحركة أمل أمام قصر العدل.
وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي خلال مؤتمر صحفي عن معلومات عن مقتل ستة أشخاص، فيما تحدث الصليب الأحمر اللبناني عن سقوط خمسة قتلى وإصابة 30 شخصاً آخرين.
وأعلن الجيش اللبناني أنه «خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية تعرضوا إلى طلقات نارية في منطقة الطيونة، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها». ولم يحدد الجيش هوية الأطراف التي بدأت إطلاق الرصاص.وحذر الجيش أن وحداته «سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار» وناشد المدنيين إخلاء الشوارع.واتهم حزب الله وحركة أمل في بيان مشترك «مجموعات مسلحة ومنظمة» بالاعتداء على مناصريهم خلال توجهم إلى المشاركة في تجمع أمام قصر العدل. وأفاد الحزبان في بيانهما أنه «عند وصولهم إلى منطقة الطيونة تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل قناصين تبعه إطلاق نار مكثف».
ودعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «إلى الهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنة»، وأجرى اتصالات عدة مع الجيش ومسؤولين من بينهم زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري.
4 أوت ...التاريخ المُفجع
وقد أحيا لبنان يوم 4 أوت الذكرى الأولى لفاجعة انفجار مرفإ بيروت الذي خلف أكثر من 200 قتيل آلاف الجرحى بالإضافة إلى خسائر ضخمة في البنية التحتية،في كارثة إنسانية غير مسبوقة كانت لها تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة سواء على الواقع السياسي اللبناني المضطرب أو الوضع الإقتصادي الصعب الذي يعانيه اللبنانيون في وقت تقبع فيه بلادهم على حافة الإنهيار.
وقد عاش لبنان في السنوات القليلة الأخيرة واقعا اقتصاديا صعبا وصل الى حد الحديث عن قرب إعلان إفلاس الدولة وانهيارها ، إذ ساهم انهيار الليرة اللبنانية وزيادة التضخم وارتفاع البطالة في مزيد تعقيد المشهد اللبناني وسط ركود اقتصادي امتد لسنوات وصعوبات متزايدة تعترض الحكومات المتعاقبة . واعتبر مراقبون فاجعة انفجار مرفإ بيروت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في مسار انهيار الدولة اللبنانية وربما إفلاسها.
ويجد لبنان اليوم نفسه وسط أزمة مالية حادة تضاف إليها الآثار الكارثية لانفجار بيروت وتداعياته الخطيرة، وتعقيدات المشهد السياسي المتذبذب خاصة في ظل العجز عن تشكيل حكومة قادرة على تسيير البلاد في هذه المرحلة الصعبة، إلى جانب تداعيات انتشار فيروس «كورونا» المستجد على غرار سائر دول العالم مما يضع البلاد على صفيح ساخن خصوصا بعد موجة احتجاجات شعبية تطالب بإصلاحات في نظام الحكم ودعوات للقطع مع الطائفية والفساد والمحسوبية.
بالإضافة إلى المشهد السياسي المتذبذب في لبنان شهد التحقيق المفتوح في ما يتعلق بفاجعة انفجار المرفإ تطورات كبيرة واتهامات متبادلة بعرقلة سير التحقيقات من القادة السياسيين الفاعلين في المشهد اللبناني وسط دعوات دولية بضرورة تطبيق القانون على كل من يثبت تورطه في هذه الكارثة . إذ دعت منظمة ‘’هيومن رايتس ووتش’’، الدول التي تطبق قانون ‘’ماغنيتسكي’’ وغيره من أنظمة عقوبات حقوق الإنسان، إلى «معاقبة المسؤولين اللبنانيين المتورطين في انفجار مرفإ بيروت».
جاء ذلك في تقرير صادر عن المنظمة الحقوقية الدولية في 127 صفحة بمناسبة الذكرى الأولى لانفجار مرفإ بيروت.وقالت المنظمة إن الأدلة تشير إلى تورط مسؤولين لبنانيين كبار في انفجار مرفإ بيروت لأنهم كانوا يعلمون بمخاطر نيترات الأمونيوم قبل انفجارها ولكنهم لم يتصرّفوا.
وأضافت أن ‘’المشاكل البنيوية في النظام القانوني والسياسي اللبناني تسمح لهؤلاء المسؤولين بتجنب المساءلة’’.وطالبت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة’’ بتفويض بإجراء تحقيق بانفجار المرفإ’’.ويعرض التقرير أدلة على السلوك الرسمي، في سياق الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفإ، الذي سمح بتخزين أطنان من المركّب الكيميائي القابل للانفجار ‘’نيترات الأمونيوم’’ عشوائيا وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريبا.