هذا الملف الشائك والمعقد منذ سنوات طويلة، وكانت بعض الزيارات واللقاءات مفاجئة باعتبار القطيعة السياسية والاقتصادية التي تقبع فيها دمشق منذ العام 2011 . وكان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بنظيره المصري سامح شكري، في مدينة نيويورك الأمريكية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا الأول من نوعه بين مسؤولي البلدين منذ سنة 2011 .
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ ، إن شكري استقبل المقداد في مقر البعثة المصرية في نيويورك، وذلك «للتباحث حول سبل إنهاء الأزمة في سوريا». وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية بأن المقداد «أكد على أهمية العلاقات بين البلدين الشقيقين وخاصة في ظل الروابط التاريخية التي تجمعهما».وأضافت «سانا» أن المقداد «عرض للتطورات المتصلة بالأزمة في سوريا وأهمية تضافر كل الجهود لحلها واحترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها’’. وأكّد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد أنّ اللقاء بوزير الخارجية المصري، سامح شكري، في نيويورك، سيكون بداية للتقدّم في العلاقات نحو الأمام، مضيفاً أنّ «سوريا ترحّب بأي تواصل للدول الغربية معها، رغم حصول ذلك بصورة سرية».وأشار المقداد إلى أنّ «الدول الغربية هي التي صنعت الإرهاب في سوريا»، داعيا «الأمم المتحدة إلى الالتزام بميثاقها».
ويرى مراقبون أنّ اللقاء الذي انعقد بين وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونظيره المصري، سامح شكري بداية تحول ونقطة مفصلية تؤشر إلى إمكانية عودة العلاقات رسميا بين البلدين وهي دلالة على وجود متغيرات كبرى في سياسة تعاطي بعض الدول العربية مع سوريا . خاصّة وأن هذا اللقاء جاء إثر سلسلة من اللقاءات السابقة جمعت مسؤولين من سوريا مع مسؤولين من بعض دول الخليج على غرار المملكة العربية السعودية والأردن، في خطوة قد تعني بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين هذه الأطراف التي كانت في وقت سابق تضع مسافة تجاه دمشق بحكم أجندات وسياسات تحالف مختلفة .
وقد أجرى وزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، محادثات في الأردن مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، في أول لقاء من نوعه منذ بدء الصراع في سوريا قبل 10 سنوات.وأفادت تقارير بأن الطرفين ناقشا أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.
وأشاد العاهل الأردني الملك عبد الله ، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارته لموسكو في أوت، إذ قال إن القوات الروسية التي ساعدت في عكس مسار الصراع السوري لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، نجحت في تحقيق الاستقرار في البلاد.وفي سياق ثمار اللقاءات المتعددة بين الأردن وسوريا قال مسؤولون حكوميون إن الأردن سيعيد فتح معبره الحدودي الرئيسي مع سوريا بالكامل اعتبارا من اليوم الأربعاء في الوقت الذي وصل فيه فريق سوري رفيع المستوى إلى عمان لبحث كيفية تسهيل تدفق البضائع الذي تضرر من جائحة كورونا والصراع الدائر منذ عشر سنوات.وقال مسؤولون لوسائل إعلام إن الجائحة أدت إلى اتخاذ إجراءات في محاولة لوقف انتقال فيروس كورونا وإن هذه القيود سترفع اعتبارا من اليوم الأربعاء.
كما أفاد بيان رسمي نشرته قناة المملكة المملوكة للدولة أن الخطوط الجوية الملكية الأردنية ستستأنف الرحلات المباشرة إلى دمشق اعتبارا من 3 أكتوبر.وقد جرى تعليق الرحلات في ضوء الصراع المستمر في سوريا منذ عشر سنوات.وصدر القرار في إطار خطوات عديدة اتُخذت في ختام اجتماع وزاري استمر يومين في عمّان بين البلدين لتعزيز علاقات التجارة والاستثمار والنقل.
عودة للمشهد العربي
وقد أعلنت الإمارات عام 2018 وتلتها البحرين عن عودة عمل سفاراتيهما في دمشق بعد سنوات من انقطاع العلاقات بين الدول الخليجية والعربية من جهة وسوريا من جهة أخرى بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت منذ 2011. ولئن ربط مراقبون هذه المتغيرات بدخول المعادلة السورية مرحلة ما بعد الحرب ، يرى مراقبون أن هذه المتغيرات قد تشهد تطورات أكثر في قادم الأيام وذلك على علاقة بالتطورات الصحية الطارئة التي يعيشها العالم هذه الفترة، وباعتبار أن عودة الإمارات والبحرين إلى الساحة السورية ومؤخرا وجود بوادر عن عودة العلاقات بين السعودية يعني بما لا يدعو مجالا للشك أن البيت الخليجي عامة غيّر مواقفه المتشددة إزاء بقاء الرئيس السوري بشار الأسد على سدة الحكم في سوريا.
ولئن فرضت المتغيرات والتراكمات الأخيرة سواء المتعلقة بتغير التحالفات الإقليمية والدولية وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الميدان السوري وتزايد النفوذ الروسي ودخول اللاعب التركي بكل ثقله إلى المعركة بعد تفاهمات سرية تارة ساهم دون شك في حلحلة الأزمة السورية والمرور بها من مرحلة الحرب إلى مرحلة ما بعد الحرب.
وقد دعا مؤخرا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى رفع التجميد عن عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ، ورغم أنّ الموقف الجزائري الداعي إلى عودة سوريا ليس بجديد بل هو نفس الموقف منذ بدء الحرب في سوريا علما وأن الجزائر والعراق تحفظتا على قرار تجميد تلك العضوية في نوفمبر 2011 ، إلاّ أن هذه الدعوة تزامنت مع تطوّرات عسكريّة وسياسيّة حثيثة في الميدان السوري. وقرب انعقاد القمة العربية قد يعيد سوريا إلى المجموعة العربية رغم اللاءات التي لازالت ترفعها بعض الدول.
مواقف متقاربة
إلى جانب الجزائر سبق للعراق أن أعلن عن دعمه لعودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، مما يزيد من حظوظ الفرضية القائلة أن سوريا باتت قاب قوسين أو أدنى من الرجوع إلى أسوار جامعة الدول العربية بعد سنوات من تجميد عضويتها.تونس بدورها أكدت خلال فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي أنّ «مكان سوريا الطبيعي هو المجموعة العربية»، كما أكد رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي على أن «عودة سوريا لجامعة الدول العربية تقتضي قرارا توافقيا من كل أعضائها»، كما أن موقف المغرب لم يكن بعيدا عن الموقف التونسي والذي جاء على لسان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي أكد أن «المغرب لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق».
الموقف اللبناني كان أكثر وضوحا في هذا السياق إذ دعا إلى ضرورة عودة سوريا إلى المشهد العربي كذلك الموقف المصري وقد قال باحثون انه يصب في خانة مساندة العودة إذ مثلت زيارة اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري النادرة إلى مصر في 2018 نقطة فارقة في تاريخ العلاقات المصرية السورية التي تدهورت منذ اندلاع الأزمة في دمشق سنة 2011 .
وفي ظلّ هذه التطورات المتسارعة التي يعيشها العالم تتزايد حدة المخاوف الدولية من الوضع الإنساني الذي تمر به سوريا التي عانت من ويلات الحرب لسنوات طويلة مما أثر على بنيتها التحتية ومستشفياتها وواقعها الصحي وبالتالي إقتصادها ككل ، كل هذه المعضلات تنبئ بقرب تفجر الوضع مالم يتم التعامل مع ‘’فيروس كورونا’’ في سوريا كخطر كبير لا يهدد سوريا فحسب بل أيضا دول المنطقة ودول العالم التي تكافح للسيطرة على انتشار الوباء.