في زحفها الرامي إلى إحكام قبضتها على عموم أفغانستان، وقد وصلت إلى العاصمة الأفغانية «كابل».
مع تفاقم الأزمة الأمنية ورغم حديث الرئيس الأفغاني عن وجود جهود لوقف الحرب، إلا أن هناك حركة نزوح لآلاف المواطنين إلى «كابل»، خاصة بعد اتساع رقعة سيطرة طالبان، العاصمة هي المستقر الأخير لهم، بعد ان سقطت في يد طالبان ، في وقت تعمل الولايات المتحدة على إجلاء موظفي سفارتها في مواجهة تقدم الحركة المتشددة وذلك لتحقيق مآرب وغايات قديمة وجديدة.
وبنظرة متعمقة قليلاً نستطيع أن نرى بان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان انسحاب مخطط يعبر عن فشل التجربة الأمريكية في أفغانستان وفشل التحالف الدولي هناك بدليل أنه وخلال عشرين عاما من التواجد العسكري له في أفغانستان لم يستطع بناء دولة أو نظام عسكري وأمني مستقر، فمنذ الإعلان عن الخروج الأمريكي ظلت طالبان تلتهم الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى وتمكنت من السيطرة على معظم أراضي البلاد بشكل متسارع فاجأ العالم وجعله في حالة صدمة كبيرة.
وبالإضافة إلى هذا، إن ما يجري في أفغانستان له أبعاده المتوقعة وهي قدرة طالبان على السيطرة على أفغانستان وهذه الخطوة ليست مفاجئة للولايات المتحدة الأمريكية، إن لم يكن ذلك متفقاً عليه بينهما لأهداف استراتيجية وسياسية، وهي خلق مناطق توتر تستفيد من وجودها على المدى البعيد خاصة أن الوضع يُشير إلى أن أفغانستان مقبلة على حرب أهلية عرقية، ستكون لها تداعيات سلبية على المنطقة، ودول الجوار تحديداً، فضلاً عن ان سيطرة طالبان على أفغانستان قد تعيد مرة أخرى تجارة الأفيون والحشيش إلى ذروتها وتصبح أفغانستان مرة أخرى مصدراً وبؤرة لتجارة وتصدير المخدرات المحرمة للعالم ، وعلى الطرف الأخر سيتيح لها دعم قوى التطرف الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.
كل المعطيات والمشاهد على الساحة الأفغانية اليوم، توصلنا لسيناريوهين يتعلقان بالتوجّه المستقبلي لممارسات طالبان في أفغانستان، السيناريو الأول إقامة علاقات بين الولايات المتحدة وطالبان، بعد استيلائها على الحكم، وإعادة تدوير دورها سياسياً وعسكرياً وأمنياً من قبل الولايات المتحدة، والسيناريو الثاني دخول المنطقة المحيطة بأفغانستان في دوامة الإرهاب وتصديره للدول المجاورة؛ مثل: “الصين وروسيا وإيران”، وهو سيناريو كارثي وخطير.
وليس عندي شك – للأسف الشديد – أن منظمة طالبان لن تتردد في احتواء العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية لخدمة أهدافها الاستراتيجية والعسكرية وفق الخطة المرسومة لها للسيطرة على المنطقة، وبالتالي فإن هذه الحالة من الفوضى غير الخلاقة لن تؤدي إلا إلى مزيد من العنف والموت والدمار والخراب، التي باتت تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وأختم بالقول، إن حركة طالبان الإرهابية تشكل سلاحا مخبأ يمكن استغلاله لاحقاً ضد أمن واستقرار المنطقة طالما أن العالم يقف متفرّجاً على تلك الحركات دون أخذ مبادرة فعلية لحلّ مسألة التيارات العنيفة والجماعات الارهابية في مناطق مختلفة من العالم، وهنا لا بد من القول إن ما جرى في المنطقة مصلحة أمريكية-غربية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة .