صب الزيت على النار في بلد يواجه أزمة إقتصادية وإجتماعيّة خانقة . ويتزامن هذا القرار مع الجمود الذي يسود الساحة السياسية في لبنان بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري قبل تكليف حكومة جديدة وتعيين نجيب ميقاتي خلفا له .
وقد استدعى الرئيس اللبناني ميشال عون محافظ المصرف المركزي رياض سلامة أمس الخميس في الوقت الذي قالت فيه حكومة تصريف الأعمال أنّ قراره رفع الدعم عن المحروقات يتعارض مع سياساتها ويخالف القانون. وقد يؤذن إلغاء الدعم ببداية مرحلة جديدة في الأزمة المالية التي أفقدت العملة اللبنانية أكثر من 90 % من قيمتها منذ 2019 وجعلت أكثر من نصف سكان البلاد تحت خطر الفقر.ومنذ بداية الأزمة، استخدم المصرف المركزي احتياطياته الدولارية لتمويل واردات الوقود بأسعار الصرف الرسمية التي تقل كثيرا عن سعر تداول الدولار في السوق الموازية، الأمر الذي أدى إلى استنزاف الاحتياطي.وفي بيان له قال مكتب رئيس الوزراء إن تحرك سلامة يخالف قانون البطاقة التمويلية الذي أصدره البرلمان في شهر جوان والذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
من جهته أكد مصرف لبنان المركزي أنه دفع ما يفوق 800 مليون دولار للمحروقات في الشهر الماضي، كما أن فاتورة الأدوية وغيرها من السلع والمواد الضرورية قد تضاعفت، فيما لا تزال كل هذه المواد مفقودة من السوق وتباع بأسعار تفوق قيمتها حتى لو تم رفع الدعم عنها.واعتبر المصرف أن هذا الأمر يثبت ضرورة الانتقال من دعم السلع التي يستفيد منها التاجر والمحتكر – على حد وصف المصرف – إلى دعم المواطن مباشرة ، وهو الأمر الذي يحفظ كرامة المواطنين في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
جاء ذلك في بيان توضيحي لمصرف لبنان المركزي أمس الخميس تعقيبا على قراره الصادر أمس بتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة بالمحروقات باحتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعًا لأسعار السوق التي تتجاوز 20 ألف ليرة للدولار، بدلا من السعر المتبع والذي وصل إلى 3900 ليرة للدولار ، وهو ما يعني رفع الدعم عن الوقود.
كما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان حسان دياب أمس الخميس أن حاكم مصرف لبنان ‘’اتخذ قرار رفع الدعم عن المحروقات منفرداً، مشيرا إلى أن البلد لا يحتمل التداعيات الخطيرة لهذا القرار’’.
وقال دياب ، خلال الاجتماع الوزاري المخصص لمناقشة قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم حسبما نشرت رئاسة مجلس الوزراء عبر صفحتها على «تويتر» ، إن «هذه التداعيات ستطال كل شيء لقمة عيش المواطنين، وصحتهم، والاقتصاد وأيضاَ مؤسسات الدولة التي ستكون مربكة في التعامل مع واقع جديد غير جاهزة له، فضلاً عن الرواتب وحضور الموظفين».
تداعيات مرتقبة
ورغم أن الارتفاع الحاد في الأسعار سيجعل الوقود أبعد من متناول الأعداد المتزايدة من فقراء لبنان، يقول بعض الاقتصاديين إنه ينبغي التخفيف من النقص الشديد في الوقود لأولئك الذين يستطيعون الدفع عن طريق إزالة الحافز على التهريب والتخزين.
ويعيش لبنان وسط أزمة إقتصادية وسياسية خانقة يعاني منها بلد الأرز منذ سنوات وقد زادتها تعقيدات المشهد السياسي الداخلي والإقليمي ضبابية وخطورة.. ولئن ساهم انهيار الليرة اللبنانية وزيادة التضخم وارتفاع البطالة في مزيد تدهور المشهد اللبناني وسط ركود اقتصادي امتد لسنوات وصعوبات جمة تواجه رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي ، فقد زاد الفشل في تشكيل حكومة كفاءات من شأنها إنقاذ البلاد من الإنهيار ، من المعضلات التي تواجه بلاد الأرز.
ويرى مراقبون أنّ المواطن اللبناني مقبل على مرحلة جديدة لم يمر بها منذ عقود على علاقة بقدرته الشرائية وأسلوب عيشه والخدمات المعتادة من سفر وسياحة وغذاء وغيرها من العادات التي ستتأثر كما سيتأثر الواقع الاجتماعي المرتبط بالمتغيرات الاقتصادية والمالية الصعبة في لبنان. ويواجه ميقاتي عددا لا يستهان به من الملفات الحارقة أهمّها الأزمة الاقتصادية الخانقة وهي الأزمة الأشد منذ عقود طويلة .
إلى جانب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تحاول الحكومة الحصول على دعم الدول الصديقة على غرار فرنسا التي أكدت على دعمها الكامل للبنان ، فيما أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي، في بيروت، على الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه في «هذه الأوقات العصيبة». وكان الاتحاد الأوروبي أعلن ، أنّه أرسى الإطار القانوني لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل السياسي، في مسعى لتسريع تشكيل الحكومة ووضع إصلاحات بنيوية على سكّة التنفيذ لإخراج البلد من مأزقه.
ويحاول المجتمع الدولي الضغط على الأطراف اللبنانية لدفعها نحو تشكيل حكومة جديدة شرط الحصول على الدعم المادي والاقتصادي لتجاوز الفترة الحرجة التي يعاني منها اللبنانيون . إلاّ أنّ التجاذبات السياسية والانقسام الحادّ الذي يتّسم به المشهد اللبناني منعت توافق الفرقاء حول تركيبة حكومية موحدة وهو ما يحول دون الحصول على الدعم الدولي.