قال الكاتب الفلسطيني نهاد أبو غوش مدير مركز المسار للدراسات في حوار لـ«المغرب» أنّ المجتمع الدولي تقوده دول منحازة لـ«إسرائيل» أو متواطئة معها لكن الصمود الشعبي وحسن إدارة هذه المعركة والتضامن الواسع عربيّا وإسلاميا ومن قبل كل قوى الحرية في العالم كفيل بأن يهزّ هذا الركود ويخلخل هذه المعادلة . وأضاف أنّ قضية القدس والمسجد الأقصى أشعلت كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وأعادت توحيد الشعب الفلسطيني المجزأ والمفتت .
• أولا لو تقدموا لنا رؤيتكم لتطوّرات الأوضاع في القدس المحتلة اليوم ؟
كانت القدس وما زالت بؤرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لما تمثله المدينة من مكانة رمزية ثقافية ودينية وروحية وإنسانية، فمعظم الانتفاضات والهبات الشعبية انطلقت من مدينة القدس ومقدساتها .
مدينة القدس تواجه مخططا صهيونيا واضحا منذ وقوعها بالكامل تحت الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 ضمن أراضي الضفة الغربية التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية، وشنت سلطات الاحتلال معركة مفتوحة على المدينة وعلى مواطنيها وكانت أبرز عناوين هذه المعركة:
تهويد المدينة بمعنى تغيير طابعها التعددي كمدينة يتعايش فيها المؤمنون من جميع الأديان إلى مدينة يهودية وعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني من خلال إحاطتها بجدار استيطاني كثيف، ومنع الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وغزة من دخولها إلا بموجب تصاريح خاصة يصعب الحصول عليها إلا لكبار السن. بالإضافة إلى التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين مع محاولات زرع المدينة ببؤر استيطانية، واستغلال اي مساحة مملوكة للدولة بتحويلها إلى مستوطنة كما حصل مع عدد من مراكز الشرطة والإدارات الحكومية التي كانت تابعة للحكومة الأردنية وقبلها لسلطات الانتداب البريطاني، من خلال فرض شروط معيشية قاسية وطاردة من منع البناء إلى فرض ضرائب باهظة إلى تردي الخدمات وعمليات التنكيل اليومي والمداهمات والاعتقالات وهدم البيوت والهجمة على المؤسسات الوطنية ومنعها من العمل، منح السكان وضعا قانونيا شاذا هو «اٌلإقامة الدائمة المشروطة».
جميع هذه الإجراءات القاسية لم تفلح في طرد السكان الفلسطينيين الذين ظلت نسبتهم من مجمل سكان المدينة بشطريها الغربي المحتل عام 1948، والشرقي المحتل عام 1967 تتراوح بين 35% و40 % من إجمالي السكان، وثمة مخطط معلن من قبل بعض الهيئات الإسرائيلية لتقليص نسبة الفلسطينيين إلى ما دون عشرين في المائة من خلال ضم مستوطنات كبرى واخراج احياء فلسطينية من منطقة نفوذ البلدية.
• هل نحن أمام نقطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية ؟
اتخذت الهجمة على القدس طابعا مسعورا ومحموما بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، فباتت إسرائيل تقاوم وتحارب أي مظهر من مظاهر الوجود العلني الفلسطيني حتى شمل ذلك بطولات رياضية ودوري كرة قدم ومجالس عزاء ولجنة اهلية للتوعية بوباء كورونا.
بالإضافة الى هذا المخطط تسعى جماعات صهيونية ويهودية متطرفة مدعومة من الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على المسجد الأقصى، أو على الأقل اقتطاع جزء من مساحته لإقامة كنس ومعابد يهودية أو تنفيذ «التقسيم الزماني والمكاني» للمسجد كما جرى مع الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، المقدسيون واجهوا هذه المحاولات والهجمات بصدورهم العارية عبر أشكال من المقاومة الشعبية ، وخاضوا قبل هذه المرحلة جولات من المواجهة ابرزها معركة البوابات الأليكترونية ، ومعركة باب الرحمة ومنذ اسابيع معركة باب العامود (وهي ساحة يتجمع فيها الشبان لتنظيم فعاليات تقليدية رمضانية) ومحاولات إخلاء حي الشيخ جراح، ثم المحاولات المتكررة لاقتحام المسجد الأقصى التي قادتها جماعات متطرفة أبرزها «لاهافا» وحزب القوة اليهودية برئاسة عضو الكنيست ايتامار بن غفير.
وقد اشعلت قضية القدس والمسجد الأقصى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعادت توحيد الشعب الفلسطيني المجزأ والمفتت والذي يعيش ضمن تجمعات منفصلة وكل تجمع له وضع سياسي وقانوني مختلف (غزة وضفة وقدس والمناطق المحتلة عام 1948 التي فرضت على مواطنيها الجنسية الإسرائيلية، وكذلك اللاجئون في الشتات وخاصة في الأردن وسوريا ولبنان وباقي دول المهجر).
اتخذت المواجهة في كل تجمع طابعا يتفق مع خصوصية هذا التجمع وظروفه، لكن كل الشعب الفلسطيني اتحد حول القدس ومقدساتها وحول هويته الوطنية الجامعة، فبعد 73 سنة من النكبة انفجر خزان الغضب لتذكير العالم أن الفللسطينيين ما زالوا يقاسون من آلام النكبة ويدفعون ثمن تواطؤ الدول الكبرى مع المشروع الصهيوني الاستعماري، فثاروا ضد ظروف القهر والتمييز العنصري والاحتلال والتهجير والحصار المفروضة عليه.
نحن فعلا أمام نقطة تحول كشفت عن مدى قوة الوحدة بين كل فئات وتجمعات الشعب الفلسطيني، كما بينت مدى ما يختزنه من طاقات كفاحية واستعدادات للتضحية لا حدود لها، لكنها كشفت في الوقت نفسه أزمة القيادة والانقسام وهو ما يستدعي الإسراع في معالجة هذه الثغرة الخطيرة التي تجعل الشعب الفلسطيني عاجزا عن استثمار تضحياته ومراكمة إنجازاته.
• كيف ترون تعامل المجتمع الدولي مع الانتهاكات الصهيونية الأخيرة ضد أصحاب الأرض؟
تقود المجتمع الدولي دول منحازة لإسرائيل أو متواطئة معها وفي الحد الأدنى شاهدة على ما يجري ولا تحرك ساكنا لكن الصمود الشعبي وحسن إدارة هذه المعركة والتضامن الواسع عربيا واسلاميا ومن قبل كل قوى الحرية في العالم كفيل بأن يهز هذا الركود ويخلخل هذه المعادلة، لقد رأينا نوابا في الكونغرس الأمريكي والبرلمانات الأوروبي، وفنانين عالميين وشخصيات عالمية مؤثرة تنحاز لفلسطين وشعبها المظلوم.
• ما الذي ينتظره الفلسطينيون من القادة الفلسطينيين أولا ومن القادة العرب ثانيا ؟
كانت الحالة العربية على درجة من الضعف والهرولة نحو التطبيع بحيث أغرت «إسرائيل» وشجعتها على مواصلة عدوانها واقتراف المجازر وسلب الأراضي وانتهاك حرمة المقدسات، ونأمل أن الهبة الشعبية العارمة حركت هذا الجمود وسوف تساهم في عزل ومحاصرة المطبعين وكبح هرولتهم لتطبيع علاقاتهم مع اسرائيل.
فلسطينيا مطلوب فورا إنهاء ملف الانقسام وإيجاد صيغة قيادية جماعية تستجيب لهذه التطورات وتستوعب طاقات الجيل الشاب وتنسجم مع طموحاته ومع زخمه الكفاحي.
• كيف ترون مستقبل المشهد في الأراضي المحتلة ؟
مستقبل المشهد: الى حد الآن التطورات في صالح الفلسطينيين، صحيح أن الثمن باهظ وقاس ومؤلم، لكن الشعب الفلسطيني كسر كل الحواجز، واكتشف مكامن جديدة لقوته، كما اكتشف قيمة الوحدة والتنسيق بين مكوناته وتجمعاته المختلفة، المؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل باي تسوية تنتقص من حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في القدس، وكل جيل جديد لهذا الشعب هو أكثر وعيا وتماسكا واكثر استعدادا للتضحية من سابقه.