وقد تمّ تقديم هذا الكتاب والاحتفاء بمؤلفه في القسم الثقافي في سفارة الجمهورية الايرانية بتونس بحضور مثقفين وباحثين وناشطين تونسيين وفلسطينيين .
وأكد المشاركون على أهمية استحضار الذاكرة الوطنية ونضالات الزعماء التونسيين الداعمين للقضية الفلسطينية ، وذلك للاستلهام من مسيرتهم العبر والدلالات ومواصلة النضال الفلسطيني .
وفلسطين ...جسور من التواصل
ويتضمن الكتاب الذي صدر مؤخرا مقدمة وثلاثة فصول وملاحق. وتطرق الجزء الأول منه الى مواقف عدد من الزعماء التونسيين إزاء القضية الفلسطينية وتصورهم لحلها على غرار الزعماء عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف ومحمد الفاضل ابن عاشور وحسين التريكي والشاذلي القليبي . فيما يتضمن الجزء الثاني بعض المقالات وعرض لأبرز الكتب التونسية التي تطرقت للقضية الفلسطينية في مختلف أطوارها ومحطاتها التاريخية الهامة . أما في الجزء الثالث فيتحدث الكاتب الطويلي عن نشأة «إسرائيل» وفظائعها منذ المؤتمر الصهيوني الأول ببال سنة 1897 مرورا الى المعركة التي تدار اليوم من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني . وفي الملاحق وضع الكاتب بيانا عن حساب لجنة إغاثة فلسطين وكذلك خطاب بورقيبة في أريحا ، إضافة الى بعض الوثائق والصور .
ويمكن القول ان الكتاب هو رحلة شيّقة في الذاكرة الوطنية التونسية بكل مراحلها التاريخية للبحث عن جذور هذه العلاقة الروحية القوية التي تربط التونسيين بالفلسطينيين وبقضيتهم الأم والتي جعلتهم من أشرس المعارضين لمخطط التطبيع في المنطقة . وقد أعرب الكاتب والاكاديمي أحمد الطويلي في مداخلته عن أمله بأن يقدم هذا المؤلف الإفادة للقراء والجامعيين والباحثين المهتمين بمعرفة مواقف الزعماء التونسيين إزاء القضية الفلسطينية .
دور هام لتونس
من جهته أكد مدير القسم الثقافي لسفارة الجمهورية الايرانية الاسلامية ميثم فراهاني على أهمية الاحتفاء بالكتابات الابداعية والفكرية والأدبية سيما التي تطرح القضية الفلسطينية كأبرز القضايا المحورية في عالمنا .
وقال فراهاني: «لقد خصصنا الجلسة الفكرية للاحتفاء بالكاتب التونسي احمد الطويلي كنموذج تاريخي وفكري يبرز الدور الهام لتونس الداعم للقضية الفلسطينية على مدى التاريخ، مسجلا دور زعماء القيادة في فترات تاريخية متعاقبة ودور الشعب التونسي في دعم المقاومة والوقوف في وجه العدو الصهيوني، كما يقدم لنا لمحة عن الكتب التونسية التي تناولت القضية الفلسطينية وأثارت أبعادها تفاعلات فكرية عديدة في اطار الدعوة الى تجريم التطبيع ودفع المسار نحو تحرير الشعب الفلسطيني المظلوم من قبضة الصهاينة».
وأردف «بهذه المناسبة الثقافية الهامة نتقدم الى الطويلي بجزيل الشكر لما قدمه من مجهودات فاعلة نصرة للحق وتأييدا للقدس عاصمة فلسطين والتي ما زالت الى حد اليوم تتألم من تتالي النكبات والخيانات»، مشيرًا الى أن «درب المقاومة مستمر طالما ان هناك حماة يسهرون على رفع راية الحق وكما قال الدكتور أحمد الطويلي الأجيال القادمة هي الأمل».
من جهته، قال الأستاذ الجامعي والأكاديمي فؤاد الفخفاخ ان الكتاب يبرز دور تونس في دعم القضية الفلسطينية، مشيرا الى ان نقطة الانطلاق التاريخية كانت المؤتمر الإسلامي بالقدس بداية من الثلاثينيات. ولفت الى أن «هذا الدور التونسي منذ تلك الفترة وحتى ما قبلها تمظهر بتكوين جمعيات عديدة مثل «جمعية إغاثة منكوبي فلسطين» و«لجنة الدفاع عن فلسطين العربية» وجمعيات أخرى ذكرها الكاتب بكثير من الدقة التاريخية بشكل مفيد جدا وبمنهجية تاريخية توثيقية وبلغة سلسة وواضحة».
وأضاف الفخفاخ: «أبرز الكاتب أحمد الطويلي دور بعض الزعماء وعلى رأسهم عبد العزيز الثعالبي الذي كان له دور كبير في عقد المؤتمر الاسلامي في القدس في سنة 1931 وقد كانت له علاقات متواصلة وطيدة مع القائد الفلسطيني محمد أمين الحسيني». واشار الفخفاخ الى ان هذا المؤتمر أفضى الى نتائج هامة لعل أبرزها انشاء جامعة عليا للعمل على انقاذ الأراضي الفلسطينية ومقاطعة المنتجات الصهيونية. وما اختص به الكاتب في هذا المضمار انه جعل لكل زعيم من زعماء تونس ميزة ونوعية تميزه عن الآخر مثل معاضدة الثعالبي للقضية الفلسطينية من منطلق العلاقة الروحية العاطفية قبل ان تكون قومية او ايمانية».
وبيّن أن «الزعيم الثاني هو الحبيب بورقيبة فقد عرّف الكاتب بالاستراتيجية السياسية التي بنى عليها الزعيم الحبيب بورقيبة معالجته لهذه القصية وهي استراتيجية التمسك بالقبول بالحل المنقوص حتى يأتي الحل التام، فهناك مراوحة بين المعطى الواقعي من ناحية وميزان القوى من ناحية أخرى، وهذا ما جعل بورقيبة يعتبر ان القبول بالحل المنقوص وبقرار التقسيم افضل من لا شيء» .
وبيّن أن القادة العرب رفضوا آنذاك رفضا تاما وقطعيا هذه المبادرة.
كما أوضح الفخفاخ بأن الكاتب الفلسطيني أحمد الطويلي تطرق الى دور الزعيم التونسي صالح بن يوسف، مشيرًا الى أنه دعا الى التعبئة العامة قصد المشاركة في حرب 48 واعتبر أن القضية الفلسطينية قضية عالمية بالأساس وقضية كونية وانسانية لا تهمّ الشعب الفلسطيني بحذ داته ولا تتعلق برقعة جغرافية معينة وانما انعكاساتها تشمل العلاقات في العالم العربي من ناحية والعالم بكله من ناحية أخرى. وكذلك تحدث عن دور القائد حسين التركي في دعم القضية الفلسطينية خاصة انه يعتبر من الشخصيات التونسية التي وهبت حياتها للدفاع عن فلسطين وبيان حقيقة «إسرائيل» وفضح اعمالها ومشاريعها وتعرية الصهيونية منذ انعقاد مؤتمرها الأول في مدينة بال بسويسرا الى اليوم . وأشار الفخفاخ الى ما أورده الكاتب الطويلي في كتابه قائلا :«استشهد حسين التريكي يوم السبت 12 ماي 2012 في الأرجنتين عن سن تناهز 93 عاما لكن الشائع في تونس والجزائر أن لإسرائيل يد أثيمة في استشهاده في سبيل القضية الفلسطينية».
كما تطرق الطويلي في كتابه الى العلاقة التي ربطت بين الشاذلي القليبي وفلسطين وهذا ما دفع القليبي الى كتابة أربعة كتب تناول فيها قضية فلسطين . ويفسر خلالها القليبي الأسباب الذهنية والتاريخية للنكسات العربية والتي جعلت العرب منقسمين في مواقفهم ورؤيتهم لحل القضية واسترجاع الأرض المسلوبة .
من جهته، اعتبر الباحث الفلسطيني عابد الزريعي أن صدور هذا الكتاب بنكهة تاريخية في هذا التوقيت بالذات هو مسألة في منتهى الأهمية خاصة في ظل موجة التطبيع الزاحفة في أكثر من قطر عربي والتي تعتمد في استراتيجيتها على محو الذاكرة التاريخية للشعوب العربية ونضالها من أجل قضية فلسطين.
يطرح الكاتب الطويلي في ختام كتابه سؤاله: «أين كان العرب حين كان الصهاينة يخطّطون سنة 1897 لاحتلال فلسطين ؟ ولعل هذا السؤال يدفعنا أيضا الى طرح التساؤل الأهم وهو، أين هم العرب اليوم بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل وبعد تنفيذ مشروع «صفقة القرن» الذي ينهي فيها قضية فلسطين عبر ادخال المنطقة في موجة من التطبيع المجاني يدفع ثمنها الفلسطينيون باهظا من دمائهم وأرواحهم كل يوم على يد قوات الاحتلال الصهيوني؟.