منذ سنوات طويلة في خطوات لمنح ليبيا استقرارا طال انتظاره بعد صراع بين مختلف فرقاء البلاد كان حائلا دون الوصول إلى تسوية تنقذ البلاد. ولعلّ سياسة حكومة الدبيبة بدأت بأهم ملفات المرحلة في ليبيا وهي علاقاتها الخارجية مع دول الجوار ودول العالم وأهمها الدول المؤثرة في الداخل الليبي على امتداد سنوات الحرب.
ويرى مراقبون أنّ النشاط المكثف الذي تقوم به حكومة عبد الحميد الدبيبة -التي نجحت في الحصول على ثقة البرلمان - عبر الحركية الدبلوماسية التي تقوم بها في الآونة الأخيرة من زيارات خارجية لدول الجوار ودول الإقليم ضمن محاولاتها لكسب الشرعية وإعادة ربط أواصر الصداقة والتعاون مع مختلف الدول بما يكسبها شرعية محلية ودولية قبل البدء بإعادة ترتيب البيت الداخلي وإعادة ترميم مؤسسات الدولة الداخلية .
ونجحت حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة وتتألف من نائبين لرئيس الوزراء و 26 وزيرا وستة وزراء دولة، على ثقة البرلمان وأدت اليمين الدستورية خلال الشهر الحالي.وتتولى السلطة التنفيذية الجديدة مسؤولية توحيد مؤسسات الدولة والإشراف على المرحلة الانتقالية إلى حلول موعد انتخابات 24 ديسمبر، عندما تنقضي مدتها بموجب خارطة الطريق الأخيرة.
وكانت أولى الزيارات التي بدأت بها حكومة الدبيبة في إطار حراكها لإعادة الحركية لدبلوماسية البلاد المنهارة منذ عام 2011 ، كانت إلى مصر حيث اتجه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي صحبة وفد دبلوماسي إلى القاهرة الداعمة للمشير خليفة حفتر يشار إلى أنّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة كان قد حط في القاهرة في 18 فيفري أول زيارة رسمية منذ تشكيل الحكومة الليبية الجديدة.واستقبل الرئيس المصري رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية في قصر الاتحادية بالعاصمة القاهرة، وعلّق الدبيبة على زيارته لمصر بالتعبير عن تطلعه إلى علاقة «استراتيجية مع مصر والاستفادة من الخبرات التي تتمع بها». وكان المنفي ونائبه موسى الكوني، قد زارا فرنسا والتقيا مع الرئيس إيمانويل ماكرون في أول جولة خارجية للمجلس الرئاسي الجديد منذ توليه السلطة في البلاد.
كما ان تونس بعد الزيارة التي أداها رئيس الجمهورية إلى ليبيا كأول رئيس دولة يؤدي زيارة رسمية إلى طرابلس بعد التصويت على الحكومة الانتقالية الجديدة ، كان لها نصيب من زيارات الجانب الليبي الرسمي حيث استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية الليبية السيّدة نجلاء المنقوش. وتناول اللقاء علاقات الأخوة الصادقة والشراكة المميّزة بين تونس وليبيا وأفق تطويرها وتنويعها.وأكّد رئيس الدولة، بالمناسبة، على أن الإرادة الثابتة للبلدين في رفع التحديات الراهنة ستمكّن من اختصار المسافة في التاريخ وتجاوز العقبات. وأشار إلى أن مصير تونس وليبيا واحد وأهدافهما مشتركة، داعيا إلى بناء علاقات تعاون نموذجية وفق رؤى وتصورات وآليات غير تقليدية وإرساء صيغ شراكة إستراتيجية بفكر جديد وبآمال كبيرة نحو مستقبل أفضل للشعبين الشقيقين.
كما استقبل وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، أمس الأول نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية والتعاون الدولي الليبية، في زيارة لدفع نسق العلاقات الثنائية المتميزة بين الجارتين تونس وليبيا، في خطوة لإبراز أهمية للعلاقات الإستراتيجية مع الشقيقة ليبيا والإرادة السياسية الصادقة التي تحدو البلدين لتعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات. من جانبها، عبّرت السيدة نجلاء المنقوش عن سعادتها بزيارة تونس، منوهة بعراقة علاقات الأخوة والجوار والتعاون المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.
وفي هذه الأثناء يقوم رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة بجولة خليجية تشمل كلا من الكويت والإمارات والمملكة العربية السعودية وهي أطراف كان لها تأثير لسنوات طويلة على مسار الأزمة في ليبيا ، إذ أكّدت الإمارات أحد أبرز اللاعبين في الساحة الليبية، دعمها للسلطات الجديدة في ليبيا .واستقبل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان رئيس الحكومة الليبية وبحث معه «الجهود المبذولة لقيادة المرحلة الانتقالية»، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الحكومية.كما بحثا علاقات التعاون «في مختلف المجالات السياسية والأمنية والتنموية والاستثمارية والاقتصادية وفرص تطويرها».
رهانات الحكومة الجديدة
وتراهن حكومة الدبيبة على توحيد مواقف الدول الخليجية التي انقسمت إزاء المشهد الليبي بين مؤيد للسراج ومؤيد لحفتر ، وهو ماكان له تأثير على التحالفات الخارجية لحكومة الوفاق السابقة وأيضا على مستجدات المشهد الليبي اناك. وتؤكد هذه الزيارات التي أداها وزراء حكومة الدبيبة بعد شهر على تشكيل الحكومة أن دبيبة يتمتع بشرعية دولية وغطاء دولي متماسك سيساعده على إيجاد مناخ داخلي ملائم لإنجاح انتخابات ديسمبر المقبل بعد سنوات من الفوضى السياسية وغياب الأمن في ليبيا. وتحتاج حكومة دبيبة هذا الدعم لحسم عدد من الملفات العالقة في البلاد والتي أثرت سلبا على المشهد الليبي وساهمت في إطالة أمد الأزمة، من بينها القوات الأجنبية والمرتزقة وهو ملف معقد زاد من حالة الفوضى الأمنية التي أرقت ليبيا على امتداد سنوات طويلة .
ويراهن المجتمع الدولي على نجاح حكومة دبيبة التي تأتي بعد سنوات من ضبابية المشهد في بلاد عمر المختار شهدت حربا أهلية عنيفة بين مختلف الفرقاء وساهمت في تعطل عمل مؤسسات الدولة لسنوات طويلة يراهن على نجاح الحكومة الجديدة في إيجاد حلول لعدد من الملفات الشائكة التي تحتاج دعما دوليا كبيرا خاصة وأن أزمة ليبيا شهدت تداخل أطراف وفاعلين دوليين متعددين وهو ماساهم أيضا في مزيد تشعب الملف وتعقده .
وتعيش ليبيا بالإضافة إلى الحراك السياسي ومحاولات كسب الشرعية الدولية عراقيل وتحديات تواجهها الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة، ومن بينها عدد من المعضلات التي لم تجد الأطراف الليبية تسوية لها رغم المبادرات المتعددة وبرعاية المجتمع الدولي ودول الجوار.
كما قادت الزيارات الخارجية رئيس حكومة الوحدة الجديدة في ليبيا عبد الحميد دبيبة في طرابلس و رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان ، وذلك في أول زيارة للمجلس إلى تركيا منذ تسلمه السلطة. وكانت أنقرة قد ساندت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس في مواجهة قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر خلال فترة الصراع بين الطرفين والتي استمرت لسنوات عدة.
وكان لتركيا دور كبير في المشهد الليبي وكان موقفها متضاربا مع موقف مصر والإمارات والسعودية (تدعم شق المشير خليفة حفتر ، ومشتركا مع الجانب القطري الداعم لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج انذاك . هذه المواقف المتضاربة كان لها تأثير كبير على صعوبة التوصل إلى توافق بين لافرقاء الليبيين لفترة طويلة .