ضمن ما يعرف بحرب النفوذ التي تجتاح العالم والتي تمخضت عنها سياسات واستراتيجيات وتحالفات جديدة. إذ لا شكّ أن الدور الروسي المتنامي في مختلف القارات العالم كان مقلقا للعملاق الأمريكي ولدول القارة العجوز على حد سواء خاصة في ظل تقارب بين العملاق الروسي والتنين الصيني .
وقد طالب الاتحاد الأوروبي عدة مرات بالإفراج عن المعارض أليكسي نافالني المسجون منذ 17 جانفي المنقضي. كما اتهم موسكو برفض التحقيق في عملية التسميم التي تعرض لها المعارض في أوت، مما دفع الأوروبيين إلى فرض عقوبات على عدة مسؤولين روس.وتبادلت موسكو وثلاث دول أوروبية في الأيام الماضية طرد دبلوماسيين بسبب الخلاف حول قضية نافالني.
آخر تطورات العلاقة المتشنجة بين موسكو ودول القارة العجوز هي ملف المعارض الروسي أليكسي نافالني المعتقل في روسيا رغم الرفض والإدانة الدولية على خلفية مواقفه المعارضة للنظام الحاكم في روسيا . هذا التطور في قضية المعارض الروسي قابلته دول الإتحاد الاوروبي بتهديد موسكو بفرض عقوبات تستهدف مسؤولين وشخصيات من أوساط الرئيس فلاديمير بوتين.
وبحسب تقارير رسمية فإن هذه العقوبات تستهدف خصوصا الممولين المقربين من السلطة و«الدائرة المقربة» من فلاديمير بوتين الداعمة له.وتعمل الدول الـ27 إلى جانب سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأوكرانيا على بحث هذه الإجراءات المقبلة وسط استنكار وتنديد روسي.
العلاقات الأوروبية الروسية
قضية نافالني وطرد المسؤولين المتبادل بين موسكو ودول الإتحاد الأوروبي ليست الأسباب الوحيدة ولا الأولى لتوتر العلاقات بين الطرفين ، إذ مثلت قضية القرم عام 2014 منعطفا خطيرا للغرب وموسكو على حد سواء. إذ كان الموقف الأوروبي رافضا لضم شبه جزيرة القرم لروسيا بعد استفتاء رفضته اغلب الدول الأوروبية وكان سببا في عزل روسيا اقتصاديا وسياسيا عن دول القارة الأوروبية .
وربط مراقبون أزمة روسيا وأوكرانيا آنذاك بتدهور العلاقات والصدام المتكرر بين موسكو والغرب من جهة أخرى ، على علاقة بعدة ملفات بدءا بالاتهامات الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية و الأزمة بين بريطانيا وروسيا بخصوص قضية محاولة اغتيال جاسوس روسي سابق والتي أخذت منحى أكثر تصعيدا بعد ان اتهمت لندن حكومة موسكو بالوقوف وراء محاولة اغتيال سيرغي سكريبال وابنته . واستمرت الحرب الكلامية بين البلدين لتصل الى مرحلة اشدّ وقعا حيث خلفت آنذاك حملة اصطفاف كبيرة وراء لندن مقابل توجيه الاتهام الى موسكو.ومن أهم المواقف الدولية التي دعمت الحكومة البريطانية السابقة بقيادة تيريزا ماي في تحركها هي فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وغيرها من الدول الغربية .
وكان ذلك الاصطفاف الذي بني على اتهام اعتبر وفق مراقبين موقفا غربيا من ضمن مواقفه وسياسته المعادية لروسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية والتي تلاها فرض عقوبات أوروبية كبيرة على الجانب الروسي.
العلاقات الأمريكية الروسية
لم تكن العلاقات بين أمريكا وروسيا بعيدة عن التطورات وعن الشد والجذب خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، خاصة أنه ومنذ توليه الحكم واجه اتهامات حول اعتماده على التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة و إدانة اثنين من معاونيه المقربين بتهم تتعلق بخرق القوانين الانتخابية أثناء حملة ترامب الرئاسية والتي فاز إثرها على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ولئن يرى مراقبون أن العلاقات بين واشنطن و موسكو قد تشهد تغيرا في عهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، فإن التصريحات الصادرة مؤخرا عن الكرملين وعن البيت الأبيض على حد سواء نفت إحراز أي تقدم في العلاقات المتوترة بين الطرفين.
ولم يكن هذا الملف الوحيد الذي عكر صفو العلاقات بين البلدين ، إذ ينضاف إلى ذلك ما يعانيه العالم من تبعات فرض إجراءات مشددة يوما بعد يوم لمواجهة هذا التحول الدولي الطارئ بعد إنتشار فيروس «كورونا»في أغلب الدول والذي كان أيضا من بين أهم أسباب توتر العلاقة بين موسكو ودول الإتحاد الأوروبي وأمريكا. إذ لم تقتصر التغيرات على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم بل ألقت بظلالها على النظام الدولي برمته وهددت مستقبل تحالفاته التقليدية في ظل هذه التحولات وتداعياتها الخطيرة على الصورة النمطية المعتادة لإصطفافات العالم .
وخلال الأزمة الأخيرة اتخذت دول أوروبا إجراءات وقيود مشددة لمجابهة انتشار فيروس «كورونا» المستجد. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي بادرت إلى إغلاق حدودها وتعليق الرحلات الجوية القادمة إليها من كل أنحاء أوروبا وهو ما أثار حفيظة بعض دول القارة العجوز معتبرة أنه قرار «أناني» من واشنطن.
هذا الوضع الكارثي العالم رافقه إتهامات صينية أمريكية متبادلة حول هذا الفيروس المستجد ، فالصين بدأت باتهام صريح وجهته للجيش الأمريكي بالوقوف وراء إدخال «كورونا» إلى أراضيها وهو ما نفته إدارة البيت الأبيض التي تستمر في إتهام الصين بإلحاق ضرر كبير بالعالم.
هذا الصدام الصيني الأمريكي ليس بجديد إذ يشهد العالم منذ سنوات حرب زعامة إقتصادية بين البلدين ، فأمريكا تحاول الحفاظ على صدارتها للعالم أمام تغول نفوذ المارد الصيني بدعم روسي . ويرى مراقبون أن ما يحصل في العالم اليوم زاد من حدة هذه الحرب فالعالم ما بعد «كورونا» لن يكون كما قبله.
الصين التي تعاملت مع فيروس «كورونا» بانضباط أدهش العالم ،بدأت في تصدير تجربتها وإجراءاتها التي اتخذتها للحد من انتشار الفيروس إلى كل من إيطاليا وإيران. وهي أكثر الدول التي شهدت الأوضاع فيها تفجرا غير مسبوق ،وذلك في غياب الدور الأمريكي باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية صنفت خلال العقود الفارطة «حامي العالم» . المعونات الصينية التي قدمتها سلطات الصين لكل من إيطاليا وإيران تزامنت أيضا مع مساعدات روسية لروما مما يزيد من فرص تعزيز تحالفات روسية صينية جديدة في مرحلة ما بعد وباء «كورونا». كما اعتبره مراقبون استباقا روسيا صينيا لمرحلة مابعد هذا الطارئ الصحي الذي سيكون أداة تغيير للعالم وللتحالفات ونظام العولمة أيضا .
هذا التقارب الروسي الصيني ومساعي موسكو لمزيد بسط نفوذها عسكريا واقتصاديا لا يؤرق الجانب الأمريكي فحسب، بل يخيف الجانب الأوروبي الذي يواجه في هذه الآونة ومنذ خروج بريطانيا المزلزل نزعة انفصالية زادت حدتها في مختلف أصقاع أوروبا وغذتها متغيرات داخلية على علاقة بسطوع نجم اليمين المتطرف في أغلب الدول الأوروبية وسعيه للهيمنة على مراكز القرار.
خلافات بين روسيا وأمريكا ودول الإتحاد الأوروبي: حرب النفوذ وتأثيراتها على التحالفات في النظام الدولي
- بقلم وفاء العرفاوي
- 10:08 10/02/2021
- 1161 عدد المشاهدات
تواجه العلاقات بين روسيا ودول الإتحاد الأوروبي مطبّات عدة وحالة من الشد والجذب على علاقة بملفات حيوية أرقت العالم ،