إثر توقيع المملكة لاتفاقية تجارة مع الإتحاد الاوروبي في خطوة تأمل بريطانيا أن تكون بداية جديدة لارتباطها مع باقي أوروبا خصوصا بعد توتر العلاقات اثر استفتاء خروجها من الاتحاد الأوروبي وما انجر عنه من تبعات مؤلمة على الجانبين. ولعل المشهد الر اهن والتراكمات التي تعانيها المملكة في هذه الآونة في علاقة بتداعيات الخروج من القارة الاوروبية أو في علاقة بانتشار السلالة الجديدة من فيروس «كورونا» وماتلاه من إغلاق جديد وتشديد للقيود وهو ما أدخل البلاد التي تعاني بطبعها من مصاعب اقتصادية حادة ، في عزلة جديدة ستزيد من معضلاتها المستمرة منذ خروجها نهائيا من الاتحاد الأوروبي.
ويرى الجانب البريطاني أن إتفاقية التجارة التي وقعتها بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي «بداية جديدة للعلاقات مع التكتل»وقال رئيس الوزراء جونسون في تغريدة على تويتر «تحدثت للتو مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل. رحبت بأهمية الإتفاقية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كنقطة بداية جديدة لعلاقتنا.. بين طرفين سياديين متكافئين.»وأضاف قائلا «نتطلع إلى التصديق الرسمي على الإتفاقية والعمل سويا في إطار الأولويات المشتركة، مثل التصدي لتغير المناخ.»
وتأتي هذه الخطوة التي انتظرتها بريطانيا طويلا بعد 4 سنوات من المفاوضات العسيرة مع التكتل الأوروبي ومارافقها من نقاط جدل إلا أنه ووفق مراقبين تم اخيرا التوصل إلى هذا الإتفاق بعد تنازلات صعبةومؤلمة من طرف المملكة .
معضلات مستمرة
ويواجه جونسون الذي خلف تيريزا ماي، معضلات جمة في ما يتعلق بالخلافات القائمة في المشهد السياسي البريطاني حول «البريكست». إذ طالما تمسّكت المعارضة بالخروج وفق اتفاق في حين كان بوريس جونسون يسعى إلى الخروج حتى دون التوافق حول خطة واستراتيجية للخروج.وطالب برلمانيون الحكومة بنشر وثائق سرية تتعلق بدراسة حول تداعيات البريكست دون اتفاق وسط اتهامات لها بمحاولة طمس الحقيقة والتقليل من مخاطر مثل هذه الخطوة.
ولطالما مارست دول الاتحاد الأوروبي ضغطا كبيرا على بريطانيا للإسراع بإجراءات الخروج من القلعة الأوروبية ، فيما تسعى الحكومة البريطانية برئاسة المثير للجدل بوريس جونسون الحصول على ضمانات أكثر عبر سلسلة من المشاورات والزيارات واللقاءات إلى بعض الدول الأوروبية .وبحثت بريطانيا على امتداد 4 سنوات عن حلول بديلة بعد فشل مستمر في الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم مرور سنوات على التصويت مع مغادرة البلاد للقلعة الأوروبية . وكان من المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس الفارط ، إلاّ أنّ حكومة تيريزا ماي فشلت في الحصول على موافقة البرلمان وبالتالي قدمت استقالتها انذاك بعد مطالبات داخلية بتنحيها بتعلة الفشل في إدارة المرحلة الحساسة التي دخلتها البلاد بعد ''بريكست''.
وتتعلق الصفقات التي تم إبرامها في الساعات الأخيرة بقطاع الصيد – تحديد عدد قوارب الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي التي يمكن لها الصيد في مياه المملكة المتحدة – والإفراط في الحفاظ على “تكافؤ الفرص” في ما يتعلق بالمساعدات الحكومية والمعايير البيئية والعمل. مع تسوية هذه الأسئلة وغيرها ، من المقرر أن يتم تطبيق الصفقة مؤقتًا اعتبارًا من 1 جانفي ، بانتظار التصديق التشريعي من قبل الجانبين. ستظل تجارة السلع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خالية من الرسوم الجمركية والحصص ولكنها ستخضع لفحوصات جمركية وتنظيمية على الحدود – للتحقق من بلد المنشإ والامتثال التنظيمي.وهذا سيجعل التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر استهلاكا للوقت وتكلفة ، وبالتالي أقل كفاءة ، مما كان عليه الحال في السابق داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. وسيكون التأثير السلبي أكثر حدة في المملكة المتحدة ، التي تعتمد على الاتحاد الأوروبي لنحو نصف صادراتها ووارداتها بينما تمثل بدورها حوالي 5 في المائة من إجمالي صادرات وواردات الاتحاد الأوروبي.
وتترك الاتفاقية العديد من التفاصيل مفتوحة للنزاعات المستقبلية. على وجه الخصوص ، ولكن التزام الصفقة بـ “تكافؤ الفرص” يعني أنه يجب على الحكومة البريطانية ألا تقدم مساعدة حكومية لشركات المملكة المتحدة أو تخفف من المعايير البيئية والعمالية حتى تتمكن الشركات البريطانية من التمتع بمزايا غير عادلة على منافسيها في الاتحاد الأوروبي. اعتمادًا على التفسير ، قد يقيد هذا قدرة بريطانيا على ممارسة سيادتها بالكامل – وهو هدف رئيسي معلن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المقام الأول.
وفقًا للصفقة ، سيستند إطار العمل هذا إلى الاعتراف المتبادل بالتكافؤ التنظيمي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن كل جانب سوف يعترف بأن لوائح الطرف الآخر معادلة لأنظمته الخاصة ، وبالتالي سيتعين على المؤسسات المالية الامتثال فقط للوائح المحلية الخاصة بها لتكون قادرة على ممارسة الأعمال التجارية في الولاية القضائية الأخرى.
تنازلات مؤلمة
وفي هذا السياق يرى مراقبون ان رضوخ المملكة لعدة بنود في شكل تنازلات يأتي بسبب تداعيات وباء كورونا على المملكة كغيرها من الدول تنضاف إلى ذلك التطورات الأخيرة التي جعلت بريطانيا اليوم معزولة عن الكثير من الدول، بعد أن قطع أقرب حلفائها روابط النقل معها بسبب المخاوف من السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد،مما أثار حالة من الارتباك للعائلات والشركات، قبل أيام فقط من خروجها من فلك الاتحاد الأوروبي.
وقد قطعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وسويسرا وأيرلندا وبلجيكا وكندا والسعودية والكويت وإسرائيل والهند روابط السفر مع بريطانيا، بعد أن حذر رئيس وزرائها بوريس جونسون من أن السلالة الجديدة شديدة العدوى من الفيروس، تمثل خطرا على بلاده.وترأس جونسون أمس، الاثنين، اجتماعا طارئا لبحث السفر الدولي، لا سيما حركة الشحن من وإلى بريطانيا. وقد أغلقت فرنسا حدودها أمام القادمين من المملكة المتحدة من أشخاص وشاحنات، لتغلق بذلك واحدا من أهم شرايين التجارة بين بريطانيا والبر الرئيسي بأوروبا، في خطوة وصفها وزير النقل غرانت شابس بأنها «مفاجئة».وقال شابس وفق «سكاي نيوز»: «أنا على اتصال مع نظيري في فرنسا، ونبذل كل ما في وسعنا لاستئناف الحركة. أبلغونا حقيقة بأنهم يرغبون في استئناف النقل في أسرع وقت ممكن»، وفق ما ذكرت وكالة «رويترز».
بعد 4 سنوات من المفاوضات العسيرة: بريطانيا تدخل مرحلة جديدة من العلاقات مع أوروبا والعُزلة بسبب سلالة «كورونا» الجديدة تهدّد اقتصادها
- بقلم وفاء العرفاوي
- 08:58 30/12/2020
- 734 عدد المشاهدات
دخلت بريطانيا يوم أمس الاثنين مرحلة جديدة على صعيد العلاقات مع الجانب الأوروبي وعلى صعيد مرحلة مابعد ''بريكست'' ،وذلك