عموما هدفا جديدا لها . وذلك في سياق استراتيجية جديدة للتنظيمات الإرهابية سواء منها القاعدة أو داعش والتي تُبنى على ترويع المدنيين العزل واستهداف الأبرياء .
فعملية قطع رأس أستاذ التاريخ وكذلك ذبح أشخاص آخرين في نيس الفرنسية إضافة إلى الهجوم الذي شنّته مجموعة مسلّحين فجّر أحَدهم نفسه قُرب كنيس يهودي وسط فيينا ، بات من الواضح أنها ليست منعزلة أو منفصلة أو مجرد ردة فعل عابرة ولن تكون الأخيرة. فهذه التنظيمات الإرهابية بدأت تُحرّك ذئابها المنفردة « في الدول الأوروبية والغربية وهم بالأغلب من المهاجرين من أصول إسلامية للقيام بعمليات تعيد داعش الإرهابي أو غيره من الجماعات الإرهابية الى واجهة الأحداث مجددا، وهذه المرة بتعلة الرد الانتقامي على الإساءة للرسول والإسلام وهي ادعاءات زائفة وكاذبة. فأكبر متضرر سمعة الإسلام والمسلمين جراء هؤلاء التكفيريين الذين بنوا أفكارهم السوداء على فقه القتل والذبح وعلى قراءات خاطئة للدين الإسلامي ولأخلاقياته وأهدافه ومقاصد الرسالة المحمّدية.
في الحقيقة إن هذه الجماعات الإرهابية لا تحتاج إلى ذريعة للتحرك والقتل ما دامت لها أهداف ومصالح ونفوذ. وتحاول أن تستغل أي ظرف لتنفيذ أجنداتها .لقد استغلت الفراغ الأمني سابقا والحرب المستعرة في سوريا والهشاشة الأمنية في العراق لتنفيذ أجنداتها وبناء دولتها المزعومة واحتلال أجزاء من سوريا والعراق قبل ان يتم دحرها على يد الجيشين السوري والعراقي. وتتعلل اليوم بالإساءة للرسول لتجنيد أكثر ما يمكن من أتباع جدد، لتُقدم على أكبر إساءة وأكبر تشويه للإسلام في العالم ... والخاسر الأكبر من كل هذه الهجمات الإرهابية هي الجاليات المسلمة في الدول الغربية التي تجد نفسها تدفع ضريبة باهظة من العنصرية ومن تحميل ذنب جماعات إجرامية عابرة للحدود والقارات ولكنها تقتل وتغدر وتسفك الدماء باسم الإسلام .
وفي آخر حصيلة نقلتها صحف فرنسية، يظهر بأن فرنسا هي أكثر دولة أوروبية متضررة من الإرهاب وقد شهدت أكثر من 18 هجوما إرهابيا خلال الأعوام الأخيرة من هجمات شارلي إيبدو في سنة 2015 إلى هجمات نيس سنة 2016 و التي جرت بالتزامن مع عمليات إرهابية استهدفت دولا أخرى مثل تونس وغيرها.
وتوجه اليوم أصابع الاتهام وراء حدوث العمليات الأخيرة في اوروبا صوب تنظيم القاعدة وفروعه في افريقيا، خاصة وان فرنسا لها امتدادات كبيرة في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا ولها مصالحها. وتدور معارك ضارية بين تنظيم القاعدة هناك وبين القوات الفرنسية وقد تمكنت فرنسا من استهداف أحد أبرز زعماء القاعدة هناك والمسمى «أبو مصعب عبد الودود» والمكنى أيضا بـ «عبد المالك دروكدال» وذلك في شمالي مالي في جوان الماضي .
ففرنسا الباحثة عن مصالحها في افريقيا وجدت نفسها تدخل في حرب مباشرة مع التنظيمات الإرهابية هناك. واعتقدت أنها بمقتل عبد المالك دروكدال ستنهي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وان التنظيم الإرهابي سيشهد فترة ضعف وانكماش، فإذا به ينقل هجماته الى أوروبا عبر ّ ذئابه المنفردة».
وتجدر الإشارة الى ان عملية مقتل أبي مصعب عبد الودود «دروكدال» تمت بتنسيق وتعاون استخباري فرنسي أمريكي وذلك في عملية جرت في صحراء وعرة وبين هضبات قاحلة، وكانت منسقة إلى أقصى حد بين الجانبين الفرنسي والأمريكي حسب ما أعلن الطرفان الفرنسي والآمريكي آنذاك .
ويذهب العديد من المهتمين بشأن الجماعات المسلحة بأن استراتيجية فرنسا وأوروبا القادمة تجاه الإرهاب سترّكز على مزيد استهداف قادة وزعماء هذه التنظيمات الإرهابية المنتشرة. خاصة وان هذه التنظيمات الإرهابية قررت نقل المعركة من ساحات المنطقة الى الساحة الفرنسية والاوروبية على ما يبدو والخطر بات اليوم في عقر دار الغرب . لذلك فإن نهاية مسلسل القتل والذبح الإرهابي باسم الدين قد لا يعرف نهاية وشيكة. فالمعركة ضد هؤلاء التكفيريين الإسلاميين لا زالت طويلة وتحتاج الى رؤية متكاملة من أجل اجتثاث هذا الفكر المتطرف من جذوره بالتزامن مع الحلول الأمنية والتعاون الوثيق بين الدول لمجابهة هذه الآفة العالمية وهذه الايديولوجيا المتطرفة ومحاصرة من يمولها ويحتضنها وينشرها .