على نشاط هذه المؤسسة الدولية لما تحمله مساهمة واشنطن في تمويلها من أهمية بالغة. وتأتي هذه الخطوة التصعيدية بعد انتقادات متبادلة بين البيت الأبيض ومنظمة الصحة العالمية على علاقة بانتشار وباء «كورونا» في العالم وسط اتهامات بالتقصير وعدم تحديد المسؤوليات ونشر معلومات متضاربة .
وتعليقا على الانسحاب الأمريكي بعد تهديدات متزايدة من الرئيس دونالد ترامب الذي اتهم المنظمة بالتواطؤ مع الصين وإخفاء ‘’أدلة’ وإثباتات حول ضلوع بكين في تصنيع وانتشار فيروس ‘’كورونا’’ المستجد وعدم القدرة على تطويقه أو إنتاج لقاح ملائم له ،وفي هذا السياق قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في بيان: «وصلتنا تقارير عن تقديم الولايات المتحدة إخطارًا رسميًا للأمين العام للأمم المتحدة يفيد بانسحابها من منظمة الصحة العالمية لكن ليست لدينا معلومات أخرى بهذا الشأن في هذه المرحلة››.
وكانت الأمم المتحدة قالت في وقت سابق إنها تلقت إخطارا رسميا بقرار الرئيس دونالد ترامب قبل أكثر من شهر كما أعلن عضو بارز في الكونغرس الأمريكي أن الولايات المتحدة انسحبت رسميا من منظمة الصحة العالمية، وسط جائحة كورونا التي لا زالت تعصف بالعديد من الدول. وقال ترامب أمام الصحفيين تعليقا على إنسحاب بلاده «لأنهم فشلوا في القيام بالإصلاحات اللازمة والمطلوبة، نحن ننهي اليوم علاقتنا بمنظمة الصحة العالمية ونعيد توجيه هذه الأموال إلى احتياجات أخرى ملحة في مجال الصحة العامة في العالم». وفي وقت سابق، اتهم ترامب منظمة الصحة العالمية بأنها «دمية في يد الصين» التي انطلق منها الوباء في نهاية 2019. وردت بكين باتهام ترامب بالسعي الى «التنصل من التزاماته» حيال المنظمة مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تسجل أعلى نسبة إصابة في العالم بـ«كوفيد 19» بـ 3,220,559 و135828 ألف حالة وفاة .
بحث عن البديل
ويحذر مراقبون من تداعيات هذه الخطوة التي ستحمل تأثيرات على استمرارية منظمة الصحة العالمية علما وأن إنهاء علاقة واشنطن بها سيربك مخططات عمل المنظمة الموضوعة بشكل مسبق ، وأيضا لتزامنها مع حرب دولية منهكة ضد فيروس من أخطر الفيروسات وحاجة العالم لتضافر الجهود لمواجهته ، كما يفرض هذا الوضع ضرورة البحث عن حلول بديلة لضمان استمرارية العمل. يشار إلى أن هذا الوباء خلف إلى حد اليوم 12 مليون و 424ألف حالة إصابة، 558 و158 ألف حالة وفاة، مقابل تسجيل أكثر من 7 ملايين حالة شفاء . إلاّ أن المخاوف اليوم في العالم مرتبطة بعدم التوصل إلى اليوم للقاح ناجع للقضاء على هذا الوباء الذي انتشر في كافة أصقاع المعمورة وأيضا وسط مخاوف وتحذيرات من موجة ثانية للفيروس خلال الخريف المقبل.
وتعد التداعيات المالية من أهم تداعيات الانسحاب الأمريكي علما وأن واشنطن من أكبر المساهمين في ميزانية المؤسسة، ممايعني أن تعويض انسحابها يحتاج إلى تظافر جهود باقي المساهمين لإنقاذ باقي الموارد الضئيلة المتبقية للمنظمة والموجهة بالأساس إلى برامج داعمة للقطاعات الصحية والمبادرات في البلدان الفقيرة والمناطق المهمشة من العالم .
جدل مستمر
إذن تستمر الاتهامات الدولية للصين حول نشأة فيروس كورونا المستجد ، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين أول الدول التي وجهت انتقاداتها للصين بعد أن أكدت تقارير أن بداية انتشار الفيروس كانت من مختبر تجارب في مدينة ووهان في إقليم «هوبي» الصيني . ورغم نفي بكين المستمر تصر إدارة الرئيس الأمريكي على توجيه سهام النقد لحكومة شينزو آبي وصلت حد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية حادة على الجانب الصيني مع العلم أن الطرفان توصلا منذ فترة قصيرة إلى اتفاق تجاري صعب بعد سنوات من التفاوض.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن اتفاقه التجاري مع الصين، الذي جرى التوصل إليه بصعوبة كبيرة، أصبح الآن ذا أهمية ثانوية بالنسبة إلى جائحة فيروس كورونا وهدد بفرض رسوم جديدة على بكين، في الوقت الذي تصيغ فيه إدارته تدابير ردا على التفشي. تهديدات الولايات المتحدة الامريكية ليست بجديدة بل بدأت منذ بداية تفشي فيروس «كورونا» في العالم ، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إن «الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لا زال يحرم العالم من المعلومات التي يحتاجها للحيلولة دون حدوث إصابات أخرى في فيروس «كورونا».وكرر بومبيو، في مقابلة مع برنامج واشنطن ووتش الإذاعي، اتهامات سابقة بأن «تأخر الصين في مشاركة المعلومات حول الفيروس سبب مخاطر للناس في أنحاء العالم، قائلا إن هذا «عرّض حقا حياة الآلاف للخطر».
الاتهامات الصينية الأمريكية متبادلة حول هذا الفيروس المستجد لم تنقطع، فالصين بدأت باتهام صريح وجهته للجيش الأمريكي بالوقوف وراء إدخال «كورونا» إلى أراضيها وهو ما نفته إدارة البيت الأبيض التي تستمر في إتهام الصين بإلحاق ضرر كبير بالعالم. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخلال كل ظهور إعلامي له يصر على تسمية «كورونا» بالفيروس «الصيني» ،ووفق تقارير إعلامية أمريكية تدور نقاشات جادة داخل أسوار البيت الأبيض حول كيفية معاقبة الصين سواء عبر فرض عقوبات إقتصادية أو طلب تعويضات ضخمة وفق تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتنامت مخاوف العالم بشأن دور الصين في نشأة وانتشار فيروس كورونا وبات التحقيق في الخفايا يحظى بأولوية في الوقت الحالي.ورغم رفضها في البداية إلاّ أن بكين أبدت موافقتها على دخول محققين إلى أراضيها ، وقالت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية أمس الجمعة إن فريقا تحضيريا تابعا للمنظمة توجه إلى الصين لإجراء تحقيق في منشأ فيروس كورونا المستجد.وقالت المتحدثة مارجريت هاريس في إفادة في مقر الأمم المتحدة بجنيف إن خبيرين من المنظمة في صحة الحيوان وعلم الأوبئة سيعملان مع العلماء الصينيين لتحديد نطاق التحقيق ومساره.
أرقام حول منظمة الصحة العالمية
تبلغ ميزانية منظمة الصحة العالمية 2,8 مليار دولار سنويا (5,6 مليارات دولار بين سنتي 2018 /2019)، تعمل منظمة الصحة العالمية «بميزانية مستشفى متوسط الحجم في بلد متقدم»، وفق ما صرح به مؤخرا مديرها العام تيدروس أدهانوم غبريسوس.
ومع مساهمة تبلغ 893 مليون دولار خلال الفترة 2018/2019، أو حوالي 15% من ميزانية المنظمة، تعد الولايات المتحدة الممول الرئيسي لها، قبل مؤسسة بيل وميليندا غيتس، أول مساهم خاص، وتحالف لقاح غافي والمملكة المتحدة وألمانيا وكلها تتقدم كثيراً على الصين التي تساهم بمبلغ 86 مليون دولار.وتسهم الأموال الأمريكية بشكل رئيسي في تمويل برامج المنظمة في إفريقيا والشرق الأوسط. ويشارك نحو ثلث هذه المساهمات في تمويل عمليات الطوارئ الصحية، فيما يُخصص الجزء المتبقي في المقام الأول لبرامج التصدي لشلل الأطفال وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والوقاية من الأوبئة ومكافحتها.