بالرغم من إيقاف الشرطي المسؤول المباشر في عملية القتل . بل انتشرت المظاهرات في أكثر من 140 مدينة كبرى في البلاد مما أجبر السلطات المحلية على فرض حالة عدم التجوال و تكثيف عدد أعوان الشرطة لإطفاء الحريق.
ومنذ أكثر من أسبوع اتخذ الرئيس دونالد ترامب موقفا معاديا للمتظاهرين. و طالب في مرار عديدة المسؤولين في مختلف الولايات بالعمل على كسر التظاهرات بالقوة واستخدام كل الوسائل القمعية المتاحة. وفي خطاب ألقاه يوم الإثنين الماضي هدد باستخدام «قانون التمرد» لعام 1807 الذي يسمح للرئيس بمطالبة الجيش بالتدخل لفرض «القانون و النظام». وهي خطوة استفزازية تضاف لما شاهده الأمريكان على شاشات التلفزيون من قمع دام لرجال الأمن واستهزاء من رئيس الدولة الذي رفع الإنجيل أمام كنيسة مظهرا مناصرته لناخبيه من البيض الإنجيليين ضد السود والأقليات الأخرى التي تعاني من سياساته العنصرية.
البنتاغون ينتفض ضد البيت الأبيض
وفي خطوة غير مسبوقة، و بعد يومين من الانتقادات والنقاشات الحادة في صلب الحكومة وفي الكونغرس وفي وسائل الإعلام، عبر البنتاغون علنا عن رفضه لاستخدام «قانون التمرد» و حشر الجيوش في عملية قمع المتظاهرين التي تبقى تحت مسؤولية الشرطة. وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 3 جوان أنه لا يرغب في استخدام الجيش في عملية قمع المتظاهرين ضد مقتل جورج فلويد بالرغم من ارساله للحرس الى واشنطن وفيالق أخرى لمساعدة الولايات على استتباب الأمن. وقال بالخصوص وهو في رحاب البنتاغون: « خيار استعمال الجيوش في عملية احترام القانون لا يمكن اللجوء إليه إلا في الحالات القصوى كآخر وسيلة و في الحالات العاجلة. ونحن لسنا في هذه الحالة. وأنا لا أساند استخدام «قانون التمرد». أنا أقوم بكل جهدي كي أكون محايدا سياسيا. ربما أنجح أحيانا وقد أخفق أحيانا أخرى. هدفي هو أن تكون الوزارة خارج الحلبة السياسوية.» موقف فهمه البعض تمردا على نية الرئيس ترامب وتعبيرا واضحا من أركان الجيش في عدم مساندته التصلب الرئاسي خاصة أن الجيش لم يستخدم منذ قانون 1878 في المسائل الداخلية.
في نفس الوقت، خرج وزير الدفاع الأسبق جايمز ماتيس الذي واكب دخول ترامب البيت الأبيض قبل استقالته من منصبه من صمته وعبر عن استيائه من سياسات ترامب التي لم تكن لتوحد صفوف الأمة الأمريكية ولو لمرة واحدة. وأوضح أن الرئيس ترامب لم يفكر يوما في اقتراح سياسات نوجد الصفوف بل من البداية كان يعمل على تقسيم الشعب لأغراض شخصية.
أوباما و بوش ضد ترامب
عديد الشخصيات السياسية ، من بينها المرشح للرئاسة جو بايدن، ومشاهير الغناء والمسرح والسينما والأدب عبروا عن عدم رضاهم عن أداء ترامب. كذلك أصوات من الخارج تعالت ، وفي مقدمتها صوت الوزير الأول البريطاني بوريس جونسون الذي اعتبر أن الحل لا يكمن في استخدام القوة بل في العمل على القضاء على العنصرية عدو الديمقراطية.
لكن صوت باراك أوباما ، أول رئيس أمريكي من السود، كان حاسما في التنديد بإدارة ترامب للأزمة باعتبارها المساندة للأعمال العنصرية. و التحق الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الإبن ، الذي لم يخرج عن صمته منذ اندلاع الأزمة، بباراك أوباما منددا بسياسة ترامب. وهو تحول ملحوظ داخل الحزب الجمهوري الذي أصبح يرى أن حظوظه في الفوز في الانتخابات في نوفمبر القادم مهددة بسياسة ترامب العنصرية التي تبعد عنه أصوات السود و الأقليات. و اعتبر جورج بوش في رسالة مفتوحة نشرت الأربعاء أن « الوقت حان أن تفكر الولايات المتحدة في إخفاقاتها المأساوية» مضيفا «يبقى أن عددا كبيرا من الأمريكيين من أصل إفريقي ، و بالخصوص الشباب، يخضعون للهرسلة في بلدهم وهذا إخفاق, هذه المأساة التي تندرج في سلسلة طويلة من المآسي المشابهة تطرح سؤالا لا مفر منه: كيف يمكن القضاء على العنصرية المنظمة هيكليا في مجتمعنا؟» تساؤل واضح لكنه لا يحل المشكلة الآنية المتمثلة في إعادة الهدوء إلى المدن المنتفضة.
خروج جورج بوش من صمته الدبلوماسي يعبر عن عدم الثقة التي انتابت الطبقة السياسية الأمريكية أمام مشاهد العنف و الحرق و النهب في مختلف مدن البلاد ، و التي لا زالت تعاني من جائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من 105000 من المواطنين وانشرت في قرابة مليوني مواطن. تحركات إيجابية أخرى شهدها العالم عندما التحق رجال الشرطة بالمتظاهرين وركعوا أمامهم للتعبير عن تضامنهم مع مطالبهم. مشهد يمكن أن يتحول في الأيام القادمة إلى وسيلة للخروج من الأزمة وفتح صفحة جديدة تتجسد يوم الاقتراع عن ولاية ثانية للرئيس ترامب.
البنتاغون يعترض على إقحام الجيش في أزمة مناهضة العنصرية: انتقادات حادة لتصرف دونالد ترامب من قبل الرئيسين باراك أوباما وجورج بوش الإبن
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 11:58 05/06/2020
- 693 عدد المشاهدات
منذ اندلاع الحريق يوم 25 ماي الماضي بعد موت جورج فلويد على أيدي أعوان شرطة مينيابوليس لم تهدأ الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية