فالحديث عن مبادئ الديمقراطية والعدالة يسقط اليوم مع أول امتحان صعب تتعرض له كبرى الدول المتقدمة والديمقراطية والمتحضرة .
فمع النقص الشديد في المعدات الطبية وعجز أعتى النظم الصحية العالمية على مواجهة تداعيات هذا الوباء ، لجأت عديد الدول «الديمقراطية» والمتطورة الى « قرصنة « الأدوية والكمامات والمستلزمات الطبيبة وكل ما من شأنه ان يساهم في مواجهة إعصار كورونا الوبائي . فقد اتهمت برلين واشنطن بالوقوف وراء اختفاء شحنة تضم 200 ألف كمامة قادمة من تايلاند، لكنها لم تصل إلى العاصمة الألمانية. مشيرة الى أن شحنة الكمامات التي كانت مخصصة لشرطة برلين، صودرت في بانكوك بناء على تحريض أمريكي.
واتهم وزير الألماني واشنطن بارتكاب « عمل من أعمال القرصنة العصرية»، ووصف ما حدث بأنه من «أساليب الغرب الأمريكي المتوحش». فيما نفت أمريكا الاتهامات معتبرة أنها أنباء مضللة تهدف إلى بث الانقسام بحسب المتحدث باسم السفارة الامريكية في برلين . وتلك ليست حادثة القرصنة الوحيدة التي اتهمت بها واشنطن بل قبلها وجه الفرنسيون أصابع الاتهام الى الإدارة البيضاوية بالوقوف وراء قرصنة كمامات ومعدات طبية صينية كانت متوجهة إلى باريس، وذلك عبر دفع مبالغ مضاعفة لشرائها من على متن طائرة تستعد للإقلاع من مطار شنغهاي، عندما ظهر المشترون الأمريكيون وعرضوا 3 أضعاف ما دفعه نظراؤهم الفرنسيون. وقبلها أيضا قامت تركيا بالاستيلاء على شحنات أدوية كانت متجهة الى اسبانيا . وكذلك قامت بعض الأطراف بالاستيلاء على مساعدات طبية كانت متجهة الى ايطاليا من قبل دولة التشيك .
ولعل هذه الدول التي تعتمد القرصنة في تعاملها مع هذه الوباء العالمي ، غفلت عن ان ما من دولة في العالم مهما علا شأنها ودورها الاقتصادي والعسكري والسياسي ، لن تستطيع ان تتجاوز هذه المحنة بمفردها . اذ يؤكد عديد المختصين والباحثين والعلماء ان نهاية الوباء المستجد لا تكون الا بتطهير المعمورة والقضاء على الفيروس أينما وجد في ظل عدم وجود لقاح له حتى الآن. خاصة ان إعادة فتح الحدود بين الدول هو أمر محتم وضروري ولا يمكن ان يتم بسلام الا اذا تمّ تأكيد ضمان عدم انتقال العدوى مجددا من قبل دول أخرى موبوءة .
فهل يعيد كورونا تشكيل النظريات والقيم الحديثة في عالمنا المعاصر خاصة مع حتمية «الخلاص الجماعي» من هذه الجائحة العالمية؟