العراق رغم مصادقة البرلمان العراقي على قرار ينص على طرد القوات الأجنبية من البلاد ومن ضمنها قوات أمريكا . وذلك رفضا للصراع الدائر على الأراضي العراقية بين طهران وواشنطن والذي تدفع بغداد ضريبته الباهظة.
ويرى متابعون ان الصراع الامريكي الايراني الدائر منذ عقود على الأراضي العراقية بشكل غير مباشر عبر وكلاء الطرفين هناك.. زادت حدته منذ تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب الحكم ليخرج الى نطاق الحرب المباشرة لكن ساحة المعركة لم تتغير وبقيت هي ذاتها العراق. وتواجه السلطة في العراق اتهامات شعبية من الكتل السياسية بالفشل في النأي بنفسها عن الصراع بين واشنطن وطهران وايضا عجزها عن وضع حد للصدام المتزايد بين البلدين. كما يربط نشطاء ومتابعون الفشل في تشكيل حكومة الى حد الساعة الى تداخل الأدوار الخارجية في مسار تشكيل الحكومة خصوصا بعد انسحاب توفيق علاوي من تشكيلها بعد الرفض الشعبي له. الا ان الرئيس العراقي برهم صالح كلّف امس محافظ النجف السابق عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة الجديدة في خطوة لحلحلة الازمة وتجاوز الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد.
وتحاول السلطات في العراق تجنب هذه الاتهامات وتجاوزها حيث كانت دعوتها في البداية لطرد القوات الاجنبية وسيلة لامتصاص غضب الشارع الا ان صعوبة تنفيذها لهذا القرار كان له مفعول عكسي لدى الشارع الذي طالب مجددا بضرورة الناي بالعراق عن التجاذبات . وفي سياق مساعي حكومة تصريف الاعمال للتهدئة اعلنت وزارة الخارجية العراقية، امس الثلاثاء، توجيهها رسالتين إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن القصف الأمريكي على القوات العراقية.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف في بيان صحفي إن «الوزارة بعثت شكوى برسالتين متطابقتين إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن بخصوص القصف الأمريكي على القوات العراقية».وأضاف «وصفنا القصف الأمريكي بهذه الشكوى بأنه عمل عدائي، وخرق فاضح لشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق».
وتعرضت قاعدة «التاجي» العسكرية قرب العاصمة بغداد، لهجوم بـ33 صاروخا مما تسبب في إصابة اثنين من أفراد القوة الجوية العراقية وجرح 3 جنود من التحالف، وفق بيانين للجيش العراقي والتحالف.
ويعد الهجوم على قاعدة التاجي الثاني خلال أيام، بعد سقوط 10 صواريخ داخل القاعدة، الأربعاء، مما أدى إلى مقتل عنصرين من الجيش الأمريكي ومتعاقد بريطاني، وإصابة 12 آخرين، وفق واشنطن.
واتهمت الولايات المتحدة كتائب «حزب الله» العراقي بالوقوف وراء الهجوم لتشن بدورها غارات جوية على 5 أهداف للكتائب جنوبي البلاد، ما أدى إلى مقتل 5 من أفراد الأمن العراقي ومدني. وتزايدت حدة الصراع بين الجانبين الامريكي والايراني في العراق بعد مقتل الجنرال الايراني قاسم سليماني في غارة جوية امريكية.
التجاذبات الصعبة
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي نصيف الخصاف لـ«المغرب» ان المشكلة التي يعاني منها العراق هي مصادرة القرار الأمني والعسكري العراقي من قبل جهات مسلحة خارج إطار الدولة إضافة إلى ضعف صاحب القرار السياسي أمام تلك الجهات التي أصبحت مع مرور الوقت والتهاون المستمر من قبل الجهات الأمنية مع انتهاكاتها المستمرة للقانون أقوى من بعض الأجهزة الأمنية بل تمكن بعضها من خرق تلك الأجهزة على مستوى القيادات فيها.
واكد أن لبعضها تمثيل سياسي وسياسيون يبررون أفعالها ويدافعون عنها وكأنها أجهزة رسمية حكومية وان ما تقوم به هو لمصلحة العراق والعراقيين.
وبخصوص انعدام وجود موقف رسمي عراقي ضد هذه الهجمات التي قتلت من العراقيين أضعاف ما قتلت من الامريكان اذ ادت الى استشهاد اثنين من العراقيين وجرح اخرين فيما أدى إلى جرح ثلاثة جنود أمريكان، اجاب الكاتب العراق انه على الحكومة العراقية ان تعي ان الضحايا بكل الاحوال سيكونون عراقيين سواء استهدف هذه المجاميع المعسكرات أو التي تتواجد فيها قوات أمريكية بجانب القوات العراقية وبالاتفاق معها اواستهدف الامريكان مقرات هذه الفصائل المسلحة التي تضم عراقيين ايضا وفي ظل إنعدام وجود حكومة غير قادرة على حصر السلاح بيد الدولة فإن المعركة بين الجانبين ستستمر وسيكون الضحايا والخاسر الاكبر هم العراقيون.
وفيما يتعلق بالقراءات القائلة ان العراق اليوم في حرب للبحث عن السيادة بعد عجزه عن ايقاف الصراع للإيراني الأمريكي على اراضيه وايضا في ظل الفراغ على رأس الحكومة هل لذلك علاقة بالتوتر الميداني، قال الخصاف ان «الطبقة السياسية الحالية في العراق هي التي سمحت بالتدخلات الخارجية ولا تسعى لبناء دولة مستقلة فعلآ لأنها أضعف من ذلك وأقل قدرة على تحقيق ذلك، لكن هناك مساع وحراك اجتماعي شعبي يطمح لتحقيق السيادة والاستقلال وعدم الخضوع لإملاءات الخارج ولذلك يواجه بأبشع الطرق وأكثرها عنفا».
واضاف الكاتب العراقي بالقول ان «سقوط حوالي 700 شهيد وأكثر من 20 الف جريح من المتظاهرين دليل على الهوة الواسعة بين طبقة سياسية خاضعة ومتابعة لاطراف خارجية مختلفة وبين شعب يسعى للتحرر وتحقيق السيادة على أرضه ومقدراته. ومسألة وجود او عدم وجود رئيس وزراء من ذات الطبقة السياسية لا تجعل الأمر مختلفا، فلا يمكن أن تنتج الطبقة السياسية الحالية رئيس وزراء مستقل قادر على التحرر من التأثيرات الخارجية بل الأكثر ترجيحا ان يأتي رئيس الوزراء القادم نتيجة التأثيرات والتوافقات الخارجية اكثر منه نتيجة الحراك الشعبي الطامح للتغيير» وفق تعبيره.
العراق ورقة «ترامب» الانتخابية
وفيما يتعلق باحتدام الصدام بين طهران وواشنطن قال محدثنا ان «العمليات التي تستهدف القوات الأمريكية بالعراق ستستمر لأن أهدافها المطلوبة هي غير الأهداف المعلنة للمجاميع المسلحة مثل انسحاب القوات الأمريكية من العراق فهذا وان كان هدفا مقنعا شعبيا لكنه ليس حقيقيا او واقعيا القوا الأمريكية إلى أمريكا» وفق تعبيره.
وتابع ان الاتفاق مع طالبان يندرج ضمن هذا الإطار اي ان احد اهم أهداف الإتفاق مع طالبان هي اقناع الامريكان (الناخبين) بأن ترامب عازم على إعادة جميع القوات إلى الوطن فكيف سيبرر وقوع ضحايا من بين قواته في العراق؟ وتابع : «لذلك اعتقد ان استهداف القوات الأمريكية في العراق سيستمر وستزداد وتيرته لغاية الانتخابات الأمريكية» على حد قوله.