مثل إعلان حالة الطوارئ وفرض الحجر الصحي العام وإعلان العديد من المدن كبؤر حمراء .
وبات جليا أن هذا العدو الخفي حوّل الكرة الأرضية برمتها إلى مدن مقفرة ، فكبرى عواصم العالم أقفلت مؤسساتها وإداراتها، وشوارعها باتت فارغة وحتى أهم المعالم الأثرية التي كانت إلى حد الأمس القريب تعجّ بالرواد والسياح والزائرين أغلقت أبوابها كمتحف اللوفر الشهير وغيره من المعالم التاريخية الهامة...ويبدو العالم اليوم في حرب ضروس لمواجهة هذا الفيروس - العدو الذي أدى الى اصابة أكثر من 169 ألفا في 157 دولة ، توفي منهم أكثر من 6 آلاف و 500، أغلبهم في الصين وإيطاليا وإيران وإسبانيا، حتى صباح امس بحسب منظمة الصحة العالمية.
أزمة جديدة
ويعتقد كثير من الخبراء في الاقتصاد بأن جائحة فيروس كورونا الحالية ستصيب الاقتصاد العالمي بقوة أكبر على غرار الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الآسيوي سنة 1997، وكذلك سنة 2008 التي هددت بعض الدول. وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد قد صرحت في وقت سابق هذا الشهر بأن التداعيات الاقتصادية قد تكون مشابهة للأزمة المالية العالمية لعام 2008. ولئن أدت الاضطرابات المالية السابقة الى جعل ملايين الناس يعيشون تحت مستوى خط الفقر مع انكماش الاقتصادات وهبوط العملات، فان الأزمة الجديدة تهدد الاقتصاد العالمي برمته وحتى كبرى اقتصاديات العالم لم تعد بمعزل عنه . البيت الأبيض: قادة مجموعة السبع يعتزمون بحث التعامل مع تفشي فيروس كورونا ويتطلع قادة مجموعة السبع الى «تنسيق العمل» بشأن تفشي فيروس كورونا .
وفي الاثناء تسعى البنوك المركزية العالمية الى تعزيز جهودها لمكافحة الأثر الاقتصادي المتنامي من وباء فيروس كورونا. ورغم ذلك فان كبرى المؤشرات والأسهم العالمية سجلت خسائر غير مسبوقة فقد سجل المؤشر نيكي الياباني خسائر 2.5 في المئة بعد تعاملات متقلبة .وانخفضت بنسبة 80 بالمئة من مؤشرات القطاعات الفرعية في بورصة طوكيو ، وتضررت أسهم شركات صناعة السيارات بشدة ونزل سهم تويوتا موتور2.4 بالمئة ونيسان موتور 3.5 بالمئة وهوندا موتور 3.4 بالمئة. فيما أعلنت الصين امس عن تراجع الناتج الصناعي بنسبة 13.5 بالمئة، خلال أول شهرين من العام الجاري، بسبب الأضرار الاقتصادية التي خلفها تفشي «كورونا المستجد» في البلاد.
أما أوروبيا ، فقد تهاوت الأسهم الأوروبية امس مع تنامي وباء فيروس كورونا في معظم أوروبا في حين فشلت إجراءات التيسير النقدي للبنوك المركزية العالمية في طمأنة المستثمرين بشأن تصاعد الضرر الاقتصادي.
ونزل المؤشر ستوكس 600 للأسهم الأوروبية 4.5 بالمئة لأقل مستوى منذ 2013 وهبطت البورصات في فرنسا وإسبانيا مع انضمام البلدين لإيطاليا في تطبيق إغلاق محلي للأنشطة.
أما عربيا فقد تراجعت اقوى البورصات في المنطقة مثل دبي وأبوظبي والسعودية بنسب تفوق 3 بالمئة، في مستهل تعاملات امس وسط تزايد المخاوف من انتشار فيروس «كورونا»، وتراجعت أسعار النفط الآجلة بأكثر من 5 % في بداية التعاملات الأسبوعية، مع ضعف حاد في الأسواق العالمية، وظهور بيانات صينية ضعيفة.
وتحاول عديد الدول تطويق هذه الأزمة عبر إجراءات استثنائية فقد أعلن الفيدرالي الأمريكي، اول امس خفض أسعار الفائدة بنسبة 1 % إلى نطاق 0 - 0.25 % لأدنى مستوى منذ نوفمبر 2015، وذلك من اجل تحفيز الاقتصاد المحلي المرتبك، بسبب تفشي كورونا .
في حين أطلقت روسيا صندوقا حجمه 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد جرّاء تفشي كورونا وستشمل الاجراءات إعفاءات ضريبية لشركات السياحة والطيران فضلا عن التوسع في برامج القروض للشركات.
واتخذت البنوك المركزية في اليابان وأستراليا ونيوزيلندا إجراءات خاصة بها ولكن هذا لم يوقف تراجع الأسهم العالمية.
واعلنت المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم التعبئة سعيا لطمأنة الأسواق وحملها على تخطي صدمة انتشار فيروس كورونا المستجد .
وتسعى دول عدة لمكافحة انتشار الوباء بإغلاق نفسها بشكل متزايد بما في ذلك داخل الاتحاد الأوروبي. وستغلق ألمانيا وفرنسا جزئيا الحدود بينهما ولن تسمح بالعبور إلاّ للعمال العاملين في الدولة الأخرى والبضائع. كذلك أعلنت روسيا والجمهورية التشيكية والأرجنتين وكولومبيا وغواتيمالا عن إغلاق حدودها سواء كليا أو جزئيا.
من جهتها، أعلنت عديد الدول العربية عن حزمة من المبادرات لدعم الاقتصاد منها أن حكومة أبوظبي أطلقت امس اجراءات لدعم الاقتصاد والقطاع الخاص مع إعطاء الأولوية للشركات الناشئة. وتتضمن المبادرات الجديدة تخصيص مبالغ كبيرة لدعم الكهرباء والمياه للمواطنين والقطاعات التجارية والصناعية، إلى جانب إعفاء جميع الأنشطة التجارية والصناعية من رسوم التوثيق لهذا العام. فيما أنشأ المغرب صندوقا بقيمة مليار دولار لمواجهة فيروس كورونا.
أية انعكاسات؟
اما عن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لتفشي فيروس كورونا وكيفية الخروج من الأزمة المالية الحالية يوضح المحلل الاقتصادي الاردني مازن ارشيد في حديثه لـ«المغرب» ان التراجع الحاد في اسعار النفط خلال الأيام الماضية كانت له تداعيات سلبية ، وهناك تخوف لدى الكثير من الدول المنتجة للنفط مثل روسيا والولايات المتحدة .كما ان اعلان ترامب تعليق الرحلات من والى الاتحاد الاوربي كانت له تداعيات سلبية على اسعار النفط والتنقلات وهذا يؤدي بدوره الى تراجع كبير في أسعار النفط».
وفيما يتعلق بتداعيات فيروس على الاقتصاد العربي يتابع محدثنا بالقول :«يمكن أن نقسم الاقتصاد العربي الى نوعين ، دول منتجة للنفط كدول الخليج العربي والجزائر وغيرها ، وجزء مستورد لها مثل الاردن ولبنان ودول اخرى . بطبيعة الحال كلما كان هناك تراجع في أسعار البترول للدول المنتجة والمصدرة سيكون تأثيره إيجابيا على الدول المستوردة وسيؤدي ذلك الى تخفيف أعباء الفاتورة النفطية الشهرية اذا استمرت اسعار البترول بالانخفاض . والعكس ينطبق على الدول الخليجية والجزائر لأنها دول منتجة معروفة وسيؤثر ذلك على الموازنة العامة لهذه الدول ويؤدي الى تفاقم العجز في مثل هذه الموازنات العربية والنفطية.ويؤدي ايضا الى زيادة وتقلص الايرادات النفطية التي ترفد خزانة الدول النفطية».
اما عن مآل الازمة فيوضح بالقول:«الأزمة لا تزال تأخذ مداها على أسواق العالم خاصة القطاعات السياحية والفنادق والنقل والطيران وحتى المعدات الثقيلة كالسيارات في تراجع مخيف حتى في الصين هناك تراجع بأكثر من 76 بالمية فيما يتعلق بإنتاج السيارات تحديدا . فما بالك بقطاع خدمات السياحة والفنادق كلها تمّ تجميدها بشكل كبير مما أدى الى وجود شلل في هذه القطاعات وقد يؤدي ذلك الى افلاس مئات الشركات في العالم خاصة في قطاعات حيوية.»
وأضاف :«مع تراجع اسعار البترول لاحظنا تأرجحا لأسهم شركات كبرى في هذا القطاع بشكل كبير تتجاوز الـ 60 بالمئة فقط يوم الاثنين الأسود الماضي ومازالت مستمرة حتى تداولات اليوم تحديدا . وواضح ان قطاع الطيران ايضا شملته التداعيات السبية». واكد محدثنا أن الأمور تتجه نحو الأسوأ الا اذا بدأنا نسمع برسائل مطمئنة بأن هذا المرض بدأ يأخذ منحى تراجعيا فيما يتعلق بدول العالم وقد يساعد التقليل من الإصابات من استيعاب الصدمة التي لا تزال موجودة في أسواق المال العالمية ويؤدي بها الى ان تتجه نحو الاستقرار».
فاليوم يبدو اقتصاد العالم بكل أنواعه وأشكاله أمام تحد جديد والكلمة الأخيرة لمستقبله ستكون للعلم وخبراء البيولوجيا الذين هم في معركة يومية للبحث عن اللقاح الذي يشفي من هذا الفيروس ويضع حدا لأكبر أزمة صحية وإنسانية واقتصادية واجتماعية يشهدها العالم.