بين نفس اللاعبين الدوليين المؤثرين في المشهد الشرق أوسطي، ويرى مراقبون أنّ الخطوة الأمريكية التي تندرج ضمن مراجعة شاملة يقوم بها «البنتاغون» لإعادة توزيع قواته في دول العالم، ليؤثر بشكل واضح على نفوذ واشنطن المتراجع في القارة السمراء مقابل صعود وتزايد نفوذ كل من روسيا والصين في المنطقة ومحاولاتهما كسب حلفاء لهما.
وأوضح مسؤولون في البنتاغون أن التعديل الأول سيشهد استبدال جزء من فرقة مشاة تضم نحو 800 جندي بعدد مماثل من المتدربين والمستشارين العسكريين لدعم القوات المحلية في الدول الإفريقية.وقال قائد القوات الأمريكية في أفريقيا الجنرال روجر كلوتييه للصحفيين: «الرسالة التي أنقلها إلى شركائي (الأفارقة) هي أننا لن نغادر»، مضيفا: «نحن لانزال على التزامنا».وتأتي هذه الخطوة ضمن المراجعة الشاملة التي تقوم بها وزارة الدفاع الأمريكيّة لانتشار قواتها في دول العالم ومناطق الصراع ، في محاولة للمواءمة بين هذا الوجود وأولويات الدفاع الأمريكية التي تصنّف الصين وروسيا تهديدين رئيسيين.
ولئن يعني هذا القرار تراجع أعداد القوات الأمريكية في القارة الإفريقية يرى متابعون أن أمريكا ليست بذلك الغباء لتنسحب من المنطقة في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات متجددة ومحاولات من الصين وروسيا للتمركز. ويعتبر مراقبون ان أمريكا التي أعلنت نيتها التقليل من عدد قواتها في إفريقيا تدعم سياسات «اسرائيلية» للزحف نحو المنطقة الإفريقية كوكيل وحليف لها هناك.
يشار إلى أن الولايات المتحدة تنشرنحو 6000 جندي في إفريقيا، من بينهم 800 في غرب القارة و500 من القوات الخاصة في الصومال، إضافة إلى عدد غير محدد في قاعدة جوية في النيجر. وفي نفس السياق أعلن قائد القوات البرية الأمريكية في إفريقيا الجنرال روجر كلوتير، أن روسيا والصين تمثلان تهديدا على الولايات المتحدة في القارة الإفريقية وفقا لوكالة روسيا اليوم. وخلال مؤتمر صحفي ، تحدث عن نشاط من وصفهم بـ «مرتزقة روس» في القارة الإفريقية، قائلا إنهم يقومون باستخراج الموارد الطبيعية، الأمر الذي نفته موسكو أكثر من مرة.
هذه الاتهامات تظهر للعلن المواجهة الصريحة التي تمنع أمريكا من سحب قواتها في القارة الإفريقية أو التقليل منها ، باعتبار الأهمية الإستراتيجية البالغة التي تمثلها ثروات القارة السمراء لباقي دول العالم .
انتقال جبهة الصراع
ومع تصاعد حدّة الحرب الدولية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا وتزايد نفوذ المعسكر الروسي الإيراني على حساب المعسكر الأمريكي الغربي ،يرى مراقبون أن أنظار روسيا تتجه في الفترة الراهنة إلى الشمال الإفريقي وتحديدا ليبيا التي تعاني منذ مايقارب الـ8 سنوات من فوضى سياسية وأمنية فاقمتها الخلافات الداخلية المستمرة ، كما ساعد الاحتراب والاقتتال الداخلي أيضا على خلق ارض خصبة للنزاع استغلتها أطراف خارجية لتأسيس تحالفات جديدة من شأنها تغيير موازين القوى في المنطقة .
ويرى مراقبون ان الصراع القديم المتجدد بين أمريكا وروسيا والصين حول إفريقيا ، كان دافعا لظهور حرب نفوذ جديدة قديمة بين هذا الأطراف بعد ان انضافت إليهم حليفة أمريكا المدللة «اسرئيل».
وعلى صعيد المحاولات الأمريكيّة لبسط النفوذ في القارة الإفريقية تحاول «إسرائيل» حليفة الولايات المتحدة بدورها ، جاهدة ترسيخ أقدامها في القارة الإفريقية كبوابة لتنفيذ رؤيتها التوسعية التي تسعى إليها منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية سنة 1948، ولعلّ الحراك الأخير الذي تقوم به سلطات الاحتلال لتوطيد علاقاتها مع دول القارة السمراء – مستغلة في ذلك غياب الحضور العربي الفاعل وتراكم الأزمات في المنطقة – هو أبرز مؤشّر على محاولاتها لعب دور مشبوه في القارة مستغلة في ذلك علاقاتها المتعددة سواء مع الدول المسيحية في إفريقيا أو في ظلّ سعيها نحو تطبيع العلاقات مع عدة دول إسلامية أخرى .
وكانت الجولة –غير المسبوقة – التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أربع دول افريقية هي أوغندا أثيوبيا كينيا ورواندا عام 2016 وأيضا لقاءه المثير للجدل الأسبوع الماضي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، عبد الفتاح البرهان، كل ذلك زاد من تدعيم السعي الإسرائيلي المشبوه لترسيخ دوره في العمق الإفريقي عبر استغلال نقاط الخلاف والأزمات المندلعة بين بلدانها. ولعلّ أزمة ملف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا كانت في البداية الأداة التي حاولت من خلالها سلطات الاحتلال الضغط على القاهرة . إذ تملك إسرائيل نفوذا متزايدا في اثيوبيا مما يجعل ملف سد النهضة ورقة «رابحة» بيدها لاستمالة اطراف الخلاف.