في الدولة الغنية بالموارد النفطية ، ولم تعد التفاعلات والتحالفات قائمة بشكل مستديم ولكن تتبدل بين الحين والآخر وهناك أطراف تكتسب مساحات علي حساب أطراف آخرى وهناك أطراف دانت لها هامش تحركات دبلوماسية فيما مضى إلا أنها تخلت عنها - ولو مرحلياً - ونجد أن بريطانيا النموذج الأنسب لذلك التقدير نظرا لانشغالها بمسائل الخروج من الاتحاد الأوروبي في حين لعب سفير بريطانيا في طرابلس دور الرجل الأهم والموجه الرئيسي في تفاعلات المشهد الليبي في الفترة من 2011 حتي 2017 .
وعلى الرغم من مساعي أطراف خارجية تنويع قنوات تأثيرهم على المشهد السياسي الليبي ومن ثم تغيير الأدوات والمقاربات والمسارات ( باليرمو ، برلين ) المستخدمة في التواصل / التوسط بين القرقاء الليبيين، فإننا نجد أنّ هناك دولا تركز جهودها على صياغة مسارات ثنائية أو أكثر ، مثلما حدث في التنسيق الروسي التركي ودعوة كل من حفتر والسراج للتوقيع على اتفاق إطلاق نار في موسكو الأمر الذي يستلزم تحليل مغزى التنسيق الحالي بين موسكو وأنقرة في ملفات ساخنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
يبدو في هذا السياق ، أنّ تجربة الشأن السوري قد أوجدت مساحات تنافس وتنسيق في نفس الوقت بسن أنقرة وموسكو مما دفعهما إلى تكرار ذات النموذج في الأراضي الليبية ، لتعظيم مكاسب كل منهما من التنافس الدولي المحموم علي مصادر وطرق نقل الغاز في شرق المتوسط علي خلفية الاكتشافات والتوقعات بوجود مخزون ضخم من خزانات الغاز في سواحل المتوسط .
عدم توقيع حفتر على بنود الوثيقة التي تم تسريبها للإعلام والتي لا تشير صراحة الى ضرورة انسحاب أي تواجد تركي بالأراضي الليبية ، وما تبع ذلك من تصريحات عدائية من انقره تجاه قائد الجيش الوطني الليبي يدفعنا إلى التذكير بتهديدات تركيا للمنطقة منذ زمن ليس ببعيد حين غزت شمال قبرص في 1974 وتعاملها منذ ذلك الحين مع الجزء الشمالي للجزيرة على انه أراضي تخضع لسيطرتها وان لها الحق في المطالبة ببعض الحقوق المائية في قبرص، وهو سيناريو تسعى أنقرة إلى تكراره في ليبيا علي خلفية السيولة الأمنية والسياسية منذ ما يقرب من 10 سنوات ولن تتوقف مطامع أنقرة عند توقيع اتفاقية مع حكومة الوفاق تمنحها سيطرة اقتصادية على كل المجال البحري الممتد من تركيا إلى الساحل الليبي .
لذا وجب إلقاء الضوء علي التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي والأمن القومي وسيادة كل دولة من دول جوار ليبيا جراء التكالب علي استغلال الموارد الطبيعية وتهديد سيادة دول المنطقة سواء بإطالة أمد الصراع في مناطق تعاني بالفعل من سيولة سياسية وأمنية ( ليبيا) أو خلق ساحات صراع مستقبلية لإحكام تطويق المنطقة وهيمنة دولة واحدة على مستقبلها