من الأراضي العراقية. يأتي هذا التأكيد الرسمي العراقي بعد إعلان البرلمان العراقي يوم 5 جانفي الجاري التصويت بالأغلبيّة على قرار يطالب الحكومة بإنهاء تواجد أي قوّات أجنبيّة على الأراضي العراقية وذلك على خلفية الغارة التي نفذها البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكية في العراق واستهدفت الرجل الثاني في إيران الجنرال قاسم سليماني وعددا من قادة الحشد الشعبي العراقي ماخلّف غضبا محليا وإقليميا حادا.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي انذاك انتظارهما لتوضيحات بشأن هذا القرار وطبيعته القانونية وتأثيره على القوات الأجنبية. ورغم تقليل البعض من أهمية القرار واعتباره غير قانوني اعتبر البعض الآخر تصريحات مكتب عبد المهدي الأخيرة فيها من الإصرار ما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول التحالف الدولي مجبرة على بحث مستقبل تواجدها العسكري في بلاد الرافدين. إذ قال وليام وردة، المتحدث باسم مكتب عبد المهدي في تصريح صحفي، إن «بلاده لن توقع على اتفاق يتعلق بإبقاء القوات الأمريكية في العراق لمواصلة القتال ضد داعش». وينتشر نحو 5 آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي ويضم عسكريين من مختلف الجنسيات أغلبهم أمريكيون.
ومنذ تزايد حدّة الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني كانت العراق -وفق متابعين- الأرض التي دارت فوقها حلقات النزاع والتهديدات المتبادلة بين البلدين. ففي البداية تم استهداف الجنرال العراقي وبعض قادة الحشد الشعبي في العاصمة العراقية بغداد ، كما كان الرد الإيراني على مقتل قائدها العسكري أيضا في الأراضي العراقي بعد ان تم استهداف قاعدتي «عين الأسد» و«اربيل» هناك .
خيارات مفتوحة
ورغم التأويلات المختلفة لمثل هذا القرار الذي أعلن عبد المهدي تمسك حكومته به يرى باحثون مختصون أن جرأة إقدام العراق على مثل هذه الخطوة الهامة لا يعني بالضرورة إمكانية تنفيذها خصوصا وان بغداد ملتزمة باتفاقيات أمنية وعسكرية تم توقيعها مع الجانب الأمريكي. وردا على ذلك تقول الحكومة العراقية إنها تعمل على إعداد الخطوات الإجرائية والقانونية لتنفيذ القرار.إذ قامت الحكومة العراقية بتقديم طلب للولايات المتحدة الأمريكية بإرسال وفد لمناقشة آلية مغادرة القوات، إلا أنّ الطلب قوبل برفض واشنطن.
القرار العراقي قوبل بمواقف متباينة داخليا وخارجيا بين الترحيب والرفض، فعلى الصعيد الداخلي يرفض السنة والأكراد في البرلمان العراقي إخراج القوات الأجنبية خشية تزايد نفوذ إيران في الداخل العراقي عبر الكتائب أو الأحزاب الشيعية المقربة منها .
وتضع التطورات العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية منذ استهداف أمريكا للجنرال سليماني وردّ إيران بقصف قاعدتين عسكريتين في العراق ، تضع هذه التطورات العراق أمام خيارات محدودة أولهما السير قدما في قرار إخراج القوات الأجنبية وتحمل مايترتب عن ذلك من نتائج ، أو حصر دور القوات الأجنبية في تدريب القوات الأمنية العراقية ومساعدتها على ملاحقة «الدواعش» وذلك يتم بالعودة إلى قرار سبق طرحه أمام البرلمان العراقي وينصّ على ذلك.
ورغم أنّ الحكومة العراقيّة ذهبت إلى الخيار الأول رغم ما قد يترتب عنه من تنفيذ أمريكا لتهديداتها بفرض عقوبات قاسية على العراق ، يرى البعض ان هذا القرار قد يضع العراق في مسار جديد لإعادة ترتيب بيته الداخلي والخارجي والنأي بنفسه عن التجاذبات الخارجية وحماية سيادته من الانتهاكات المتكررة.