اعتبر حسن بوبكري الباحث المختص في الهجرات الدولية والعلاقات الأورومتوسطية ومدير مركز تونس للجوء والهجرة ان تبعات الحرب الاقليمية القادمة في ليبيا كبيرة جدا على تونس . مشيرا في حديثه لـ«المغرب» الى ان وصول الوضع في ليبيا الى درجة عالية من العنف والتحارب سيؤدي الى موجات جديدة من الهجرة واللجوء قد تكون تونس غير قادرة على مواجهتها والتعامل معها. وحذر من مخاطر الاصطفاف السياسي مع الأطراف المتصارعة في ليبيا مبينا ان الوضع يتطلب ان يكون هناك تشاور كبير بين التونسيين والمنظمات والهيئات الرسمية لأخذ المواقف التي تحوز على قدر كبير من الانخراط الوطني لدرء الخطر القادم.
• أولا رؤيتكم للوضع في ليبيا في ظل التحركات التركية المتسارعة ومخاطر الحرب الإقليمية القادمة؟
من الواضح أن هناك خطر حرب إقليمية على أبوابنا ، ويمكن القول ان الحرب الإقليمية بدأت منذ سقوط نظام القذافي، وان لم تكن حربا اقليمية مباشرة وتهم ليبيا فقط فان تداعياتها ظهرت منذ سنة 2012 عندما تمّ انفصال شمال مالي وتواصلت شمال شرق نيجيريا وكذلك بعد سقوط نظام القذافي وانتشار الأسلحة على نطاق واسع باتجاه افريقيا جنوب الصحراء . يمكن ان نقول ان ارهاصات الحرب بدأت منذ عام 2012 و2013 واليوم يبدو ان شرق وشمال المتوسط يدخل الحرب من جديد.
صحيح ان دول شمال وشرق المتوسط دخلت الحرب في ليبيا منذ سنة 2011 لكن اليوم تدخل بصورة مباشرة ، ففي السابق كان التدخل تحت سقف الناتو ولكن الآن نرى بلدانا بعينها أعضاء في حلف الناتو ، مثل تركيا وايطاليا وفرنسا وألمانيا تتدخل بشكل مباشر عسكريا أو سياسيا. فالتدخل السياسي له أيضا دور في تغذية عوامل الحرب والتوتر.
• ما تداعيات الحرب المحتملة في ليبيا على الوضع في تونس والمنطقة؟
اعتقد أن الخطر الموجود على أبوابنا يمكن ان نتطرق اليه على ثلاث مستويات .
المستوى الأول ويتعلق بالتهديدات المباشرة على تونس انطلاقا من الجنوب الشرقي وعلى الحدود وهناك أيضا تداعيات على المستوى المتوسطي. ونعرف ان الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي وكل هذه الأطر الشكلية وغيرها لا تنفع تونس كثيرا لأنها لا تمكّن من حل المشكل وخاصة في ظل وجود الصراعات والتباينات بين الدول الأوروبية . في أي حرب ستقع ستكون ليبيا هي الضحية الاولى ولكن أيضا تونس هي الضحية الثانية أكثر من اي بلد اقليمي آخر مثل الجزائر ومصر .
أما الجانب الثاني من تداعيات الحرب فهو ما يمكن ان يتمخّض عنه الوضع في ليبيا وهو ما يجب التركيز عليه وأخذه في الاعتبار والبعد الجيوسياسي اي الوضع في جنوب الصحراء . فانغماس ليبيا في العنف أكثر سيؤدي الى فتح الأبواب أمام تحرك الجماعات الارهابية التي يمكن ان تصل الى تونس بأسرع مما كان عليه الوضع سابقا .
اذن الخطر الأول يكمن في اضطرار تونس الى الانخراط في الحرب بطريقة او بأخرى للدفاع عن نفسها خاصة اذا حدثت تحركات عسكرية قريبة من حدودها مع هذه القوات او تلك . ويجب ان نكون منتبهين الى الأخطار التي يمكن ان تأتي من جنوب الصحراء لان الجماعات الارهابية ستستغل الفرصة لتصل الى تونس ودول شمال افريقيا . حتى البلدان التي ستنخرط في الحرب في ليبيا ستنسى وستضطر الى ان لا تنتبه كثيرا لما سيقع في الصحراء ، وهذا جانب جيو -استراتيجي خطير جدا .
الجانب الثالث يتعلق بالتأثيرات المحتملة لتدفقات الهجرة واللجوء . ربما اذا وصل الوضع الى درجة عالية من العنف والتحارب فان هذا سيؤدي الى نزوح عدد كبير من الأجانب الموجودين في ليبيا ويقدّر عددهم بـ 500 الف شخص في الجهة الغربية وهناك حوالي 200 الف شخص في شرق ليبيا وجنوبها ، الى جانب هجرة العمال الأجانب كما حدث في سنة 2011 ، و هجرة الليبيين أنفسهم وستكون هذه المرة هجرة ولجوء أكثر صعوبة وهشاشة من سنة 2011 . فحرب 2011 انتهت في غضون عام واحد وكان الفصل ما بين الأطراف المتصارعة هو الولاء للقذافي من عدمه ، لكن هذه المرة خطوط التمايز والصراعات تشقّ القبائل والجهات والمجموعات . فأتباع حكومة الوفاق و أتباع الجيش الوطني بقيادة حفتر نجدهم في كل مكان ومتداخلين وهذا سيؤدي الى تعقيد الأمر . اليوم التفريق في هوية وتبعية الجماعات التي يمكن ان تلجأ الى تونس صعب أكثر وتونس يمكن ان تصبح مجالا للصراع ما بين هذه الأطراف بشكل غير مباشر. مما يتطلب منا كامل الحيطة والحذر.
واعتقد انه ربما الأفضل هو محاولة منع دخول أية مجموعات تابعة لهذا الفريق او ذاك الى تونس . فالصدّ يجب ان يكون على الخط الأول من الحدود وهذا يتطلب بذل الجهود على المستوى الدبلوماسي لعدم الانزلاق الى العنف المنتظر.
• موقف الدبلوماسية التونسية باتجاه ما يحصل في الجوار الليبي هل هو في مستوى الحدث؟
الدبلوماسية التونسية رهينة قوة تونس وموقعها على المستوى الاقليمي وفي الحقيقة ان دور تونس متضائل . هذا نجده من خلال الدعوات الى مؤتمر برلين حول ليبيا فتونس غير مدعوة رغم الإلحاح.
واعتقد ان الورقة الهامة التي يمكن ان تلعب عليها تونس للضغط على الأطراف الغربية المتصارعة هو التهديد بأن تكون غير قادرة على تحمّل تبعات اللجوء. فقد لعب القذافي بورقة الهجرة وضغط على الأوروبيين باتجاه رفع الحظر المفروض على بلاده سنة 2003 بسبب تهديده بفتح أبواب الهجرة من افريقيا عبر منع مراقبة الحدود البحرية وهذا ادى الى اضطرار الحلف الأطلسي والبلدان الغربية الى رفع الحصار. وحتى تركيا تحصلت على 7 مليارات دولار من اوروبا عندما تعهدت بإغلاق باب الهجرة باتجاه اوروبا أمام المهاجرين السوريين وغيرهم . فالاتفاق التركي الاوروبي لسنة 2016 أدى الى تقلص الهجرة من شرق المتوسط ، فمرت من مليون سنة 2015 الى 20 او 30 الف سنة 2016 . اعتقد وبكل حزم ان هذه الورقة الوحيدة التي يمكن ان توظفها الدبلوماسية التونسية وان تلفت النظر الى ان تونس لن تكون قادرة على مراقبة حدودها مع اوروبا في حال اجتاحتها موجات هجرة من ليبيا .
فتونس يمكن ان تجد نفسها غير قادرة على التحكم في حدودها ومنع موجات الهجرة في حال ما توتر الوضع وأصبح الصراع مفتوحا .
• كيف يمكن لتونس ان تنأى عن سياسة المحاور خاصة بعد الضغوط التركية بعد زيارة اردوغان ؟
اذا دخلت تونس في سياسة المحاور فالمتسبب الرئيسي هو التونسيون أنفسهم وليس الأتراك ، لأن جزءا من التونسيين سائرون بهذا الخط واختاروا الإصطفاف السياسي مع محور ضد آخر . فجزء من المسؤولين التونسيين فتحوا الأبواب لأن تنخرط تونس في سياسة المحاور وهو خطر كبير .
انا لا احمّل الناتو مسؤولية ما حصل في ليبيا سنة 2011 لأن المجلس الانتقالي الليبي هو الذي فتح له الأبواب . ونجد اليوم رئيس الجمهورية قيس سعيد يتحدث عن أشكال أخرى من الخيانة واعتبر ان التخندق أيضا في محور ضد محور هو أيضا شكل من أشكال الخيانة يجب التنبه لها ، وانا ادعو الى أخذ الحيطة على مستوى المواقف السياسية وعدم الإصطفاف . ولا بد من ان يكون هناك تشاور كبير بين التونسيين والمنظمات والهيئات الرسمية حتى نتمكن من ان نأخذ المواقف التي تحوز على قدر كبير من الإنخراط الوطني لدرء هذا الخطر.