الرفض الداخلي والإقليمي والدولي للاتفاق قابله إصرار تركي ليبي على المضي قدما في تنفيذه بعد مصادقة الطرفين رسميا عليه . علاوة على ذلك زادت تركيا من حدة التوتر السائد بإحالتها لاتفاق ثنائي يشمل تزويد حكومة السراج بقوّة للردّ السريع في حال طلبت طرابلس ذلك وهو ما قابله المشير خليفة حفتر بإعلان حالة النفير العام وإطلاقه الضوء الأخضر لدخول العاصمة طرابلس بعد أشهر من غياب الحسم في المعركة .
على صعيد متصل وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، استقبل الرئيس التركي رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج بعد أيام من تلويح رجب طيب أردوغان بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعمه.ويهدد القرار التركي في حال تمت المصادقة عليه بإشعال الشرارة الأولى لحرب مؤجلة في ليبيا وفي منطقة المتوسط عامة. كانت أنقرة وطرابلس وقعتا أواخر الشهر الماضي اتفاقا أمنيا وعسكريا موسعا كما وقعتا على نحو منفصل مذكرة تفاهم حول الحدود البحرية تعتبرها اليونان انتهاكا للقانون الدولي.
وفي وقت سابق أرسلت تركيا الاتفاق البحري إلى الأمم المتحدة لإقراره بالمصادقة ، وبالتوازي أحالت الاتفاق العسكري لإرسال قوات عسكرية الى ليبيا على انظار البرلمان التركي في خطوة تصعيدية من جانب أنقرة رغم التحذيرات الدولية والرفض الداخلي في ليبيا وأيضا من الجانب المصري . ويرى مراقبون ان هذا الاتفاق المثير للجدل بين الجانبين التركي والليبي والذي قابله رفض من الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر وداعميه على الميدان وأيضا من حلفائه الإقليميين وخصوصا مصر، سيجعل من تركيا تسير نحو تركيز موطئ قدم طالما بحثت عنه في شرق المتوسط رغم المعارضة الدولية. وأعلنت كل من مصر واليونان وقبرص استنفارا سياسيا وعسكريا اثر ما اعتبرته محاولة تركية لزعزعة أمنها والاستحواذ على ثروات طبيعية ليست من حقها.
في حين اعتبر مراقبون ان الاتفاق البحري التركي الليبي رد من أنقرة على إنشاء منتدى لشرق المتوسط حول الغاز في جانفي، استبعدت منه تركيا خلال اجتماع عقد في القاهرة بين ممثلين عن قبرص واليونان و»اسرائيل» ومصر وإيطاليا والأردن والأراضي الفلسطينية.
الموقف المصري
ولعل الموقف المصري الجاد هذه المرة دليل على مدى خطورة المشهد الراهن خصوصا وان موقف القاهرة الأخير من حكومة الوفاق كان شديد اللهجة حيث قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفي جلسة سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط ضمن أعمال منتدى شباب العالم في شرم الشيخ، قال إن مصر «لم تتدخل بشكل مباشر في ليبيا»، مشيرا إلى قدرة القاهرة على القيام بذلك.واتهم السيسي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا بأنها «مسلوبة الإرادة»، و»أسيرة للمليشيات الإرهابية». لكن السيسي أكد أن «انحياز مصر لم يكن لشخص وإنما كان لحالة، وهي إرادة استعادة الاستقرار بشكل سريع». يشار الى أن الحكومة المصرية كانت منذ انطلاق معركة طرابلس داعمة للعملية العسكرية التي أطلقها المشير خليفة حفتر. وأوضح السيسي أن مصر تدعم «الجيوش الوطنية» سواء في سوريا أو ليبيا، لأنها مسؤولة عن «الاستقرار والأمن» في تلك الدول.
ومن جانبها أعلنت السفارة الليبية بالقاهرة، تعليق أعمالها لأجل غير مسمى لأسباب أمنية بدءا من الأحد.وقالت السفارة الليبية في بيان صحافي عبر صفحتها الرسمية إن «سفارة دولة ليبيا بالقاهرة تعلن للسادة المواطنين الليبيين المقيمين والجالية الليبية بجمهورية مصر العربية الشقيقة أنها علقت العمل بالسفارة لظروف أمنية، وذلك اعتباراً من يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر 2019 وحتى إشعار آخر».
ويرى مراقبون أن المشهد الراهن تعدى كونه صراع ليبي ليبي خصوصا بعد الاتفاق الليبي التركي الأخير والذي اعتبرته عدة أطراف دولية محاولة تركية لبسط النفوذ في المنطقة مايزيد من استنفار الدول المعنية وحذرها من أية تصعيد عسكري مرتقب.كما اعتبر متابعون أنّ إرسال السلطات التركية لطائرة مسيرة مسلحة تركيا للتمركز في شمال قبرص سيزيد من حدة التوتر والخلافات في شرق المتوسط ويفتح الأبواب أمام سيناريوهات متعددة أهمها قرب اندلاع حرب النفوذ والثروات الطبيعية.