الحروب العبثية التي امتدت طوال الأعوام الماضية منذ سنة 2011 . والى الآن لا تزال الشعوب العربية تبحث عن مشروعها الوطني الذي ينقذها مما هي فيه ، وعن الانصاف والعدالة في مجتمعات يزداد فيها التهميش والتفريق بشكل لافت.
أكثر من 460 متظاهرا أريقت دماؤهم في شوارع العراق فقط لأنهم رفعوا الصوت عاليا واحتجوا على الفساد المستشري وعلى التدخلات الخارجية ...لأنهم أرادوا وطنا حقيقيا للجميع معافى من أردان الطائفية والتعصب .... اما أعداد المعتقلين فوصلت بحسب المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان في العراق الى 2650 معتقلا ،أطلق سراح أغلبهم، غير أن ما يقارب 160 اخرين لا يزالون رهن الاعتقال»، عدا عن المختطفين والمفقودين .
المطالب التي رفعها المتظاهرون في ساحات العراق منذ اندلاعها في اكتوبر الماضي تكاد تتشابه مع المطالب التي رفعها المتظاهرون في لبنان، وهي المطالبة بإلغاء المحاصصة والطائفية وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد وغيرها . وفي لبنان ، لا يبدو الوضع أحسن حالا في شمال البلاد وشرقه وجنوبه بعد مرور 52 يوما على اندلاع الحراك ، فقد دخلت البلاد في أتون أزمة اقتصادية ومعيشية واجتماعية حارقة، مع غلاء الأسعار واغلاق العديد من المؤسسات أبوابها.
ورغم تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته إلا ان لاشيء تحقق على طريق محاربة الفساد وإيجاد حكومة مستقلة ، مما يؤجج أكثر غضب المتظاهرين ونقمتهم على الأوضاع ...الى الحد الذي بات فيه خبر اقدام البعض على الانتحار خبرا عاديا على صفحات الجرائد اللبنانية مما دفع المجتمع المدني الى التحرك تحت شعار « ممنوع حدا ينتحر في لبنان» ووضع البعض أرقاما هاتفية على ذمة الشرائح التي تمر بأزمة عصيبة او تعاني من البطالة ...وهي اجراءات لئن تعزز الشعور بالتضامن الاجتماعي والوطني الا انها لا يمكن ان تكون فعالة وناجعة في ظل غياب الدولة ومؤسساتها وغيابها عن أدائها لدورها الاجتماعي وذلك مع سيطرة مفاهيم « الليبرالية المتوحشة» على السوق اللبنانية . ويتهم المحتجون النخبة والطبقة السياسية من أحزاب وزعماء بأنهم ساهموا بإيصال الوضع في لبنان الى الحال الذي آل عليه بسبب الصفقات المشبوهة التي تزيد من مستوى الفروق الطبقية في بلد الارز .
فالمطلب الوحيد اليوم في الشارع اللبناني هو حكومة مستقلة تحارب الفساد وتعيد الأموال المنهوبة وتعمل على إنقاذ الوضع الإقتصادي والمعيشي من الإنهيار . ولا تزال الاحتجاجات والمظاهرات مستمرة بشكل يومي، ويتجمع اللبنانيون يوميا في ساحات الاعتصام سواء في وسط العاصمة بيروت او في عاصمة الشمال وسائر المناطق اللبنانية الأخرى ، واليوم السؤال الذي يؤرق الجميع ، كيف يمكن ان تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية والسياسية وكيف يشفى العالم العربي من جروحه ومن حروبه الدائرة؟. ورغم اتساع رقعة الألم والمعاناة، يجب أن تظل شمعة الأمل مشتعلة في قلب كل من يبحث عن قيم العدالة والتسامح والإنصاف وعن «دولة المؤسسات» الى ان «نصبح يوما على وطن» ...