التي استعملت فيها كل وسائل الحروب الباردة والساخنة، فالحرب التي قادتها لم تحقق أهدافها، بل شكّلت مأزقاً لها، الأمر الذي أحرجها ودفع بالأزمة السورية إلى أن تأخذ طريقها نحو العد العكسي.
وهنا لا بد من التأكيد على ما أشار إليه الرئيس الأسد مرات عديدة، وحرص على تأكيده عبر لقاءاته السياسية ، بأن المعركة تدار على مستويين، الأول هو المستوى الميداني، من خلال استقدام الجيش السوري لتعزيزات عسكرية جديدة إلى ريف الحسكة الشمالي الشرقي، للدفاع عن المنطقة ضد «قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها من الإرهابيين» والمستوى الثاني، هو السياسي عبر تشكيل اللجنة الدستورية التي وجهت للمتآمرين ضربات ساحقة أفشلت كل مخططاتهم العدائية.
أفرز العدوان التركي واقعاً سورياً جديداً وخارطة تميل لمصلحة دمشق. وفي أولى الثمرات التي حصلت عليها دمشق، السيطرة على مدينة منبج الإستراتيجية بعد التفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وفي هذه الحالة لم تعد القوات التركية وأدواتها قادرة على دخول المدينة باعتبار أن الجيش السوري يسيطر عليها، كما عزز الجيش تواجده في دير الزور التي وسّع سيطرته عليها لربط مناطق الحسكة والقامشلي والرقة مع محافظة دير الزور بعد انسحاب أمريكا من شرق الفرات.
وحسب المعطيات الحالية، بدأت وحدات من الجيش السوري بالانتشار في المناطق الحدودية بريف القامشلي الشرقي، وكذلك في ريفي حماه وادلب وهذا يكشف الحقيقة التي يجب أن تدركها تركيا من إن التنظيمات المتطرفة العالقة في إدلب والمناطق الأخرى مصيرها الهزيمة والإنكسار، مما يعني أن تحرير إدلب يشكل بوابة جديدة لعبور الأزمة السورية وطي صفحة أخرى من كتاب التنظيمات التكفيرية، لذلك نرى إن الإدارة التركية أكثر المتفاجئين بعظمة صمود سورية ، بعد أن كانت قد أعطت الضوء الأخضر للقوى المتطرفة والمليشيات المسلحة للدخول إلى سوريا ونشر الفوضى والدمار هناك، ظناً منها بأن هذه العملية ستقدر على كسر قوة الجيش العربي السوري.
واليوم لدى سوريا فرصة كبيرة رغم كل المعضلات التي تعاني منها للدخول على خط رسم خارطة العالم الجديد بالتعاون مع ايران وروسيا ، فقد اثبت هذا التحالف قوته على الأرض وذلك بصموده في حرب الدفاع عن سورية طوال أكثر من 9 سنوات، وهذا التحالف المنتصر اليوم عمليا على المشروع الأمريكي والإسرائيلي سوف تعززه سوريا بقوتها وعظمة جيشها.
إجمالاً....خرجت أمريكا ووكلاؤها المحليون والإقليميون مهزومين رافعين الراية البيضاء، وخرج كل من تواطأ معهم من العرب، ولم يستطيعوا هزم سوريا، ومن الطبيعي أن تفشل تركيا في سوريا، و لعل حزب العدالة والتنمية قد اكتشف مؤخرا أن صعود الشجرة السورية ليس سهلا وأن المشكلة ليست في إعلان بداية الحرب بل في كيفية إنهائها، و بطبيعة الحال، ضخت تركيا ترسانتها المليئة بالأسلحة الأمريكية الصهيونية بالإضافة الى ملايين الدولارات في هذه الحرب بداعي إسقاط الحكومة السورية، بالنتيجة سقط حزب العدالة والتنمية في الامتحان السوري، وكل ما أنجزه هو تدمير للبنية التحتية و قتل الآلاف من الأطفال والنساء ، في حين لا زال الجيش السوري يدك قواعد الحدود التركية بنيران الصواريخ ، وانطلاقاً من ذلك فشلت أنقرة في تحقيق أحلامها بالمنطقة، الأمر الذي تسبب في الإضرار بمصالح تركيا لكونها اتبعت سياسة خارجية خاطئة، فضلًاً عن زيادة نفوذ موسكو وطهران في المنطقة ووقوفهما ضد أهداف تركيا التي لم تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها في المفاوضات الجارية المتعلقة بتسوية الأزمة السورية.
مرة اخرى، يتأكد خطأ الحسابات التركية وخطأ مخيلة زعيمها المغامر في ابتلاع بلد بكبر سورية وتركيع شعب بكبرياء السوريين، وأختم بالقول: إن الدور السلبي لأردوغان في سوريا، لم ولن يكون في صالح تركيا ، فإذا لم تنه تركيا تحالفها المصلحي مع داعش وأخواتها اليوم، فإن نيران هذا التنظيم ستشتعل أنقرة غدا، وأن طريق تركيا نحو الازدهار الاقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الاقتصاد التركي بشكل كبير، وبذلك يخرج أردوغان من الباب الضيق للسلطة.