حركة الانفصاليين في كتالونيا و الأمر بسجنهم لمدة تتراوح بين 9 و 13 سنة في حين لا يزال 7 منهم في حالة فرار في بلجيكا و سويسرا و اسكتلندا. و خرج لشوارع برشلونة أكثر من 500 ألف شخص منددين بالأحكام التي اعتبروها تعديا على حرية شعب كتالونيا في حين نددت الحكومة المستقيلة بأعمال العنف التي سجلتها المدينة.
ستة أيام من التظاهر السلمي رفعت فيها شعارات عديدة مطالبة بإطلاق سراح الزعماء الموقوفين. و كتبت شعارات أخرى على جدران المباني هددت باستعمال العنف منبهة :«إذا لم تعترف بنا الدولة الإسبانية و تهاجمنا فنحن سوف نهاجمها.» و شهدت المظاهرات عددا من أعمال العنف قام بها جزء من المتظاهرين الراديكاليين في حين واصلت أغلبية المتظاهرين سيرها السلمي بعيدا عن مواقع الصدام مع قوات الأمن. و ذكرت هذه المشاهد بعمليات العنف التي تخللت المظاهرات عام 2017 بمناسبة الاستفتاء على الاستقلال و الإعلان الرمزي على الاستقلال من قبل كارلس بيشديمون زعيم الحركة الانفصالية.
انتفاضة عنيفة
هذه المرة، أعمال العنف طالت واجهات المحلات التجارية و مداخل المباني و الأثاث العمومي في الشوارع وتم تحطيم الطرقات و استخراج الحجارة منه لرمي قوات الأمن . واستخدم المتظاهرون الراديكاليون لأول مرة منذ انطلاق أزمة كتالونيا كوكتيل مولوطوف و قوارير بماء الفرق الحارق و قنابل يدوية محلية الصنع. وهي في مجملها أدوات حرب أهلية لم يسبق لقوات الأمن والشرطة أن واجهتها من قبل. وسجلت المصادمات 182 جريحا وتم إيقاف 54 متظاهرا من بين الراديكاليين.
و إن لم يشارك جل المتظاهرين في أعمال العنف فإن الشرطة رصدت حوالي 2000 من الشباب الإستقلالي الراديكالي المنتمي إلى الجامعات وبعض المجموعات التابعة لحركات الرافضة للنظام الملكي و من بينهم حركة «أنونيموس كتالونيا» و تنظيم «تسونامي ديمقراطي» اللذان كانا في مقدمة أعمال العنف المسجلة وهما حركتان تخضعان للتفتيش من قبل أجهزة الأمن.
انقسام داخل كتاليونيا
أظهرت أحداث هذا الأسبوع ، كما كان عليه الشأن في 2017، انقساما حادا في صفوف الكتالونيين الذين يصل عددهم إلى 5،7 مليون نسمة. وباعتبار أرقام الاستفتاء و الانتخابات الإقليمية الأخيرة لا يفوق عدد الاستقلاليين المليونين. في المقابل ذلك أغلبية في الإقليم لا تدخل في معادلة الإستقلال بل تتمسك بانتمائها لإسبانيا. و شهدت برشلونة يوم السبت الماضي مظاهرة مضادة أمام مركز الأمن بالمدينة مساندة لقوات الأمن والشرطة في مواجهتهم للانفصاليين. و عبر كثير من المتظاهرين لقنوات التلفزيون الإسبانية عن تمسكهم بالنظام الملكي الديمقراطي و نبذهم للعنف و مساندتهم لقوى الأمن.
و أصبح البعض يشهر انتماءه لشق أو لآخر أن يتقدم ك «كتالوني» أو «اسباني» في حين تجاهل شق آخر الموضوع و تنكر للشقين. و أصبح في نفس الوقت يتفاقم عدد الذين يشهرون تمسكهم بهويتهم المزدوجة اسبانية و كتالونية في نفس الوقت و بنفس الدرجة. لكن رواد هذا التيار التوافقي يعتبر أن طريق المصالحة لا تزال مسدودة بسبب تصلب موقف الاستقلاليين و دخول الراديكاليين العنيفين ساحة المعركة.
الحوار المستحيل؟
في هذه الظروف المتأزمة قرر الوزير الأول المستقيل بيدرو سنشاز التنقل إلى برشلونة في محاولة لاسترجاع زمام الأمور وهو في حملة انتخابية سابقة لأوانها. إذ تقرر إجراء الانتخابات التشريعية يوم 10 نوفمبر القادم قصد تشكيل أغلبية برلمانية جديدة بعد تنحي الوزير الأول السابق ماريانو راخوي و استلام سنشاز السلطة دون الحصول على أغلبية واضحة. و لم تسجل مظاهرات آخر الأسبوع نفس الدرجة من العنف بل بقيت بعض المجموعات العنيفة تناوش الأمن الإسباني. و تأمل الحكومة في فرض استتباب الأمن مع الحفاظ على وحدة الإقليم حتى لا تجهض حضها في الانتخابات.
و عبرت بعض الشخصيات الاستقلالية في برشلونة عن مصلحة الإقليم في الدخول في مفاوضات مع مدريد و نبذ العنف. من ناحيته أعلن في حوار لجريدة «الميساجيرو» السفير الإسباني في روما ألفونسو داستيس، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة ماريانو راخوي، أنه «متفائل» و «منشغل» في نفس الوقت. و اعتبر أن «الحوار ممكن في كتالونيا» على أن يصبح حقيقة في صفوف سكان المدينة أولا و أن يقرروا الدخول في مفاوضات مع السلطة. لكنه أضاف «الاستقلاليون لا يمكن لهم تقرير مصير الآخرين». وهو الموقف الرسمي الذي عبرت عنه الحكومات المتتالية اعتبارا أن الدستور الإسباني لا يسمح بانفصال أي إقليم عن المملكة و أن حلين لا ثالث لهما يبقيان على الطاولة : إما تحوير الدستور أو القبول بصلاحيات أوسع في إطار الحكم الذاتي للإقليم. وهي المقترحات التي تقدمت بها حكومة راخوي والتي تساندها كذلك الحكومة الاشتراكية. لكن الأقلية الاستقلالية لم تعبر إلى حد الآن عن قبولها أيا من الحلين في إطار احترام القانون الإسباني.