قراءات متعددة لأبعاد الزيارة خاصة وأنها تتزامن مع تطورات ميدانية جادة وخطيرة في منطقة الخليج والشرق الأوسط على حد سواء. ورغم أن البيانات الرسمية لكل الأطراف تحدثت في أولويات الزيارة عن تعاون اقتصادي ومساع لتعزيز العلاقات بين روسيا ودول الخليج ، يرى متابعون أن أهداف الزيارة السياسية رغم عدم الإعلان عنها تحمل أهميّة بالغة خصوصا على مستوى الحرب ضد إيران في المنطقة وأيضا العدوان التركي الأخير في سوريا.
زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين المملكة العربية السعودية حيث التقى بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، كما قابل الرئيس الروسي ولي عهد أبوظبي وأكد خلال لقاءاته على الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بعد التوقيع على صفقات قيمتها مليار وأربعمائة مليون دولار.
ويرى متابعون أن رقم المبلغ الضخم الذي وقّعه بوتين مع شركائه الخليجيين يجعل هذا التقارب يفتح الباب أامام تساؤلات حول ماستحمله هذه الجولة لروسيا من ايجابيات ونقاط قوة على علاقة بدورها في الشرق الأوسط عامة، خصوصا في ظل تراجع الدور الأمريكي هناك وماتواجهه إستراتيجية الرئيس دونالد ترامب من انتقادات في الداخل والخارج.
وتبقى المسألة السورية وتطوراتها الميدانية الأخيرة بعد العدوان العسكري التركي والرفض العربي والدولي الذي واجهته حكومة رجب طيب اردوغان في هذا الصدد ، من اهم النقاط التي طرحت خلال جولة بوتين سيما وان موسكو أعلنت عن رفضها للعملية العسكرية «نبع السلام» التي تقودها انقرة في الشمال السوري. وحذر الكرملين كما حذرت اغلب الدول العربية والغربية من تداعيات هذا الاجتياح العسكري وتأثيراته على الداخل وعلى السيادة السورية وأيضا تداعياته على المنطقة وأمنها واستقرارها. وعشية زيارة بوتين كانت القوات الأمريكية تنسحب من شمال سوريا في الوقت الذي أبرم فيه حلفاؤها الأكراد اتفاقا مع الجيش السوري المدعوم من روسيا بهدف صد هجوم عسكري تركي.
في هذا السياق وفي ظل ضبابية الموقف الأمريكي من التطورات الأخيرة وازدواجية موقف البيت الأبيض بين دعم العملية التركية عبر الإعلان عن نيته سحب قواته من سوريا وهو ما اعتبره البعض تخليا صريحا لإدارة ترامب عن حلفائها الأكراد ،وأيضا بين إعلان رفضه لهذا التقدم التركي وما سينجرّ عن ذلك من تداعيات على علاقة بعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية .
تحالفات ومطامع
وتخشى واشنطن منذ عقود من تنامي النفوذ الروسي في الشرق الأوسط الذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية حكرا على نفوذها وإحدى أهم نقاط قوة دبلوماسيتها وحضورها السياسي في العالم عبر تفاهماتها مع دول المنطقة وايضا استغلالها لثرواته النفطية بصفة خاصة. لذلك تعارض أمريكا منذ القدم أي دور تلعبه روسيا في المنطقة العربية سواء في سوريا أو محاولات موسكو توسعة نشاطها إلى دول الخليج مستغلة في ذلك تراجع الدور الأمريكي وضبابيته خصوصا منذ تولي الرئيس الحالي دونالد ترامب الحكم .
وبدأت منذ 4 سنوات روسيا في خلق دور جديد لها في المنطقة العربية وذلك بإرسال قوات وتعزيزات عسكرية إلى سوريا لازالت إلى اليوم تسجل حضورها في المسالة السورية كطرف داعم لحكومة دمشق بقيادة بشار الأسد إلى جانب الطرف الايراني ، مقابل حلف ثان يؤيد المعارضة المسلحة وهو الدول الخليجية واولها المملكة العربية السعودية وأيضا الدعم الأمريكي للأكراد.
هذه التحالفات وتضارب الاستراتيجيات الأمريكية الروسية إزاء عدة ملفات منها سوريا وأيضا ايران التي تواجه حربا امريكية خليجية تزايدت حدتها في الآونة الأخيرة بعد الهجمات على منشآت نفطية في الخليج قالت الرياض وواشنطن إن طهران تقف وراءها فيما نفت طهران ذلك ، كما كثُر الحديث في اوروبا عن دعوات لتشكيل حرس ملاحة في الخليج لتامين ناقلات النفط بعد توترات سابقة، كل هذه التراكمات أعادت إلى الواجهة النزاع الروسي الأمريكي ومن وراء كل منهما حلفاء في المنطقة مما يُنذر بمرحلة جديدة أكثر تفجرا سيكون أساسها حماية مصالح كل من واشنطن وموسكو النفطية والسياسية في الشرق الأوسط.