شمال شرق سوريا حيث يتمركز الأكراد . ولئن لم تكترث تركيا بالتحذيرات الداخلية والخارجية المُحذرة من التأثيرات المحتملة لمثل هذا الاجتياح العسكري يرى مراقبون أنّ هذا التصعيد التركي جاء عقب ضوء أخضر أمريكي رغم نفي إدارة البيت الأبيض ذلك.
وعبّرت منظمات إنسانية وحقوقية دوليّة عن مخاوفها المتزايدة من الهجمات العنيفة في شمال سوريا، داعية تركيا إلى ضرورة التراجع والانسحاب .من جهته هدد رجب طيب اردوغان أمس بـ «فتح أبواب أوروبا أمام ملايين اللاجئين» وذلك ردا منه على الانتقادات الأوروبية المتزايدة. وقال أردوغان في خطاب ألقاه في أنقرة «أيها الاتحاد الأوروبي، تذكر: أقولها مرة جديدة، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3,6 مليون مهاجر».
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي السوري عبد القادر خليفة لـ«المغرب» أنّ أبعاد هذا العدوان التركي تنقسم إلى أبعاد داخلية وأخرى خارجية ، وأضاف «أبدأ بالداخلية ، فيبدو أن العملية بدأت تحقق للرئيس التركي رجب اردوغان شعبية وتضامنا واسعين في الداخل التركي، وحتى أحزاب المعارضة أعلنت عن تضامنها مع الرئيس والجيش في عملياته خارج البلاد أي في عدوانه على الأراضي السورية».
وتابع « الأهداف الخارجية تختصر حاليا بضربات جوية ومدفعية لقوات «قسد»، وجسّ نبض في الميدان ، وتمهيد لدخول القوات البرية برأس حربة هي الميليشيات الإرهابية ومنها ميلشيات لجبهة تحرير الشام (النصرة سابقا) ..وعلى ضوئها وضوء ردود الفعل الدولية يمكن توسيع دائرة الأهداف لتشمل الهدف الأهم وهو السيطرة على مزيد من الأراضي السورية واحتلالها ، واعادة تكرار ماحصل في مدينة ‘’عفرين’’ في كل منطقة تستطيع تركية احتلالها» على حد تعبيره.
وبخصوص الموقف الأمريكي من الاجتياح التركي ومايُروَّج عن تخلي واشنطن عن «قسد» وأسباب ذلك أجاب الكاتب السوري :«الموقف الأمريكي من «قسد» ودعمه للانفصاليين الأكراد له هدف واحد هو إخضاع الدولة السورية للإرادة الأمريكية وتمزيق وحدتها الجغرافية والسياسية ، وما يبديه الأمريكي من معارضة للخطوة التركية ما هو إلاّ ضغوط تمارسها واشنطن على أنقرة ليس لوقف العمليات وإنما لتحريك مسألة التعاون التركي الروسي العسكري والاقتصادي والتأثير على مجموعة التفاهمات الإقليمية الروسية التركية بهذا الخصوص».
أطماع تركية
وفيما يتعلق بسعي تركيا لاقتطاع الجغرافيا الشمالية لسوريا لصالحها أجاب محدثنا « بكل تأكيد هذا الهدف المباشر والقريب لكل السياسة التركية متمثلة بالرئيس اردوغان ، وهو عبر في مناسبات كثيرة عن رغبته في ضم مدن حلب والقامشلي و ادلب ، وحتى الموصل العراقية ، أما الرد السوري على الاجتياح ، فأظن أن الاجتياح البري لن يحدث بشكل عميق داخل الأراضي السورية ، لان تطورات الميدان والسياسة الدولية والإقليمية ستفرض على تركية التوقف ضمن التفاهمات التركية الأمريكية على الأكثر ، أي عمق 30 كم داخل الأراضي السورية هذا ما سيكون غير آمن للجيش التركي لأن حرب عصابات واستنزاف ستخاض ضده ، مما سيجبر تركيا على الرجوع الى اتفاق «أضنة» مع سوريا وهذا الرجوع سيكون بمباركة روسية».
وبخصوص الموقف الروسي من المتغيرات الميدانية الأخيرة قال الكاتب عبد القادر خليفة أنّ الموقف الروسي بُني على تعنّت وعناد موقف «قسد» وأهدافها الانفصالية طيلة خمس سنوات ، وتابع «هذا التعنت رافق محادثات وفود «قسد» التي فتحت لها أبواب دمشق وموسكو لبلورة تفاهمات سياسية ، وحتى أن الكثير من هذه الاجتماعات عقدت في قاعدة «حميميم» الروسية في اللاذقية وثقل روسي حقيقي ، والآن وبعد فشل كل محاولات التفاهم وجدت روسيا نفسها مضطرة للبحث عن حلول بعيدا عن طريق الدبلوماسية كطريق واحد ، وإنّما لابدّ من خلط الأوراق ومحاولة سلك طريق الدبلوماسية تحت الضغط الميداني».
وبخصوص توقّعات المشهد المقبل بعد هذه المتغيّرات أجاب محدّثنا أنّ «وضوح المشهد يحتاج الى متابعة المواقف الدولية وتطوّرها وهذا ما تتابعه أنقرة بدقة ، وأيضا متابعة التطوّرات والخطوات السياسية السورية الروسية وما ستقوم به قوات سوريا الديمقراطية ‘’قسد’’ هل ستستجيب لنداء دمشق وتعهّدها بالدفاع عن الأراضي السورية ضدّ العدوان التركي إذا قامت «قسد» بتسليم المناطق الخاضعة لسيطرتها والقتال إلى جانب قوات الجيش السوري».
وأضاف « أتوقع أن تستمر واشنطن بالضغط لإبعاد الأكراد عن هذا المسار ، بالتزامن مع زيادة الضغط على تركية لجذبها إلى تفاهمات تركية أمريكية، هنا أتوقع تحركات عسكرية روسية سورية مشتركة ومباغتة غربي نهر الفرات لفرض الإرادة السورية على الأرض».