من خلال إعطائها ضوءا اخضر للعدوان التركي ضد سوريا ،عن ذريعة مقنعة للانسحاب خدمة لمصالح دونالد ترامب في الانتخابات، كما تسعى إلى إدخال المنطقة في فوضى سياسية وعسكرية تُبعد الدولة السورية عن الاستقرار وإستعادة السيادة .
• لو تقدمون لنا قراءة في آخر التطورات المتعلقة بالتهديد التركي بشن عملية عسكرية في سوريا؟
بداية هذه التهديدات تدور بين تحسين شروط التموضع السياسي لتركيا فيما يتعلق بمباحثاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو أن تركيا حصلت على الضوء الأخضر الأمريكي للإقدام على مثل هذا العدوان . أعتقد أن حصول الجانب التركي على ضوء أخضر أمريكي وتحديد ساعة الصفر جاء بشكل خاص بعد اتصال ترامب بأردوغان والمكالمة الهاتفية التي جرت بين الطرفين ،وكان الهدف الأمريكي من ذلك إيجاد واشنطن للمبرر الذي تبحث عنه كذريعة للانسحاب من سوريا، لا سيما بعد التغريدة التي نشرها رئيس الولايات المتّحدة الأمريكية في نهاية العام الماضي والتي شكّلت ضغوطا داخل أمريكا لعدم ترجمتها على أرض الواقع .
اليوم ستكون الفرصة للولايات المتحدة للخروج من سوريا دون حصول اشتباك بين دولتين عضوتين في الحلف الأطلسي (واشنطن وانقرة)، والنقطة الثانية هي إدخال المنطقة في صراعات وضبابية لا يمكن التنبؤ بنتائجها حتى هذه اللحظة.
• من برأيكم الخاسر الأكبر من هذه المتغيرات المتسارعة؟
الخاسر الأكبر من هذه التطوّرات هي «ميليشيات قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) التي يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالتخلي عنها منذ إعلان المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري قبل اسبوع بان القوة الكردية مُمَثلة في اللجنة الدستورية، وكان هذا مؤشرا أنّ واشنطن بدأت تتخلى عن «ميليشيات قسد». بالإضافة إلى ذلك فان الولايات تريد بشكل أو بآخر دك إسفين الخلاف بين هذه الاطراف، لذلك ربما أعطت الضوء الأخضر لتركيا للقيام بمثل هذا العدوان خاصة وان طهران حذرت تركيا أمس من مثل هذا العدوان وكذلك الكرملين أكد انه لم يناقش أي خطط لعملية عسكرية تركية في الشمال السوري مع الرئيس رجب طيب اردوغان .
• كيف ستؤثر هذه المتغيرات على المشهد السوري خاصة مع تنامي مؤشرات قرب تعافي سوريا من تأثيرات الحرب ؟
أما فيما يتعلق بالتهديدات التركية اعتقد أن الهدف ينقسم إلى شقين الشق الرئيسي داخلي يتمثل في أن اردوغان يريد تحسين تموضعه الداخلي في تركيا خاصة بعد الانشقاقات الكبيرة التي حصلت صلب حزب العدالة والتنمية الحاكم، ممايجعله يسعى لتحسين تموقعه السياسي بشكل عام في وجه القوى المعارضة التي تسعى إلى ترتيب صفوفها وأوراقها وعلاقاتها وتحالفاتها فيما يتعلق بالانتخابات القادمة. وفي الجانب الآخر يريد اردوغان تنفيذ مشروعه باقتطاع الجغرافيا الشمالية من سوريا عبر مايسمى بالمنطقة العازلة وذلك عبر إقامة مجموعة مدن في الشمال السوري ومن ثمة نقل اللاجئين السوريين اليها ثم دفعهم الى المطالبة باستفتاء للانضمام لتركيا، وبالتالي إقامة مايسمى المنطقة العازلة في المنطقة المتوسطة مابين حلب والموصل وهذا سيكون ضمن مخطط اردوغان لضم القسمين الغربي من سوريا والشرقي من العراق وخاصة الموصل إلى الأراضي التركية لا سيما مع اقتراب الذكرى المائوية لاتفاقية لوزان عام 1924 ، والتي أعلن اردوغان عن رغبته في إسقاطها والعودة إلى احتلال الأراضي الشمالية .
من أهداف أمريكا من خلال إعطاء الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعدوان ضد سوريا عرقلة الحل السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية وإدخال المنطقة الشمالية الشرقية في الفوضى لتكون احد نتائج مثل هذا الصراع أو العدوان الذي قد ينشب في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا هي تهيئة الظروف لإعادة انتشار تنظيم «داعش» الإرهابي على طول الحدود السورية العراقية لا سيما أن الفوضى السياسية الحاصلة في العراق اليوم تتيح ذلك وهناك أكثر من 5000 آلاف عنصر من «داعش» الذين اختفى أثرهم من سوريا ، لذلك قد تعيد واشنطن توظيفهم وفضلا عن ذلك وجود مخيّم «الهول» الذي يضم حوالي 50 ألف سواء من عناصر «داعش» المحتجزين لدى «قسد’’ أو من عوائلهم وبالتالي هؤلاء قد يعودون لنشاطهم مرة جديدة .
اعتقد أنّ أمام «قسد» خيار وحيد خاصة بعد الصفعة المؤلمة التي تلقتها بتخلي الولايات المتحدة الأمريكيّة عنها وهي العودة إلى التنسيق مع الحكومة السورية وعودة الجيش العربي السوري لإمساك الحدود التركية السورية مما يقطع الطريق أمام مخططات أنقرة .
• ماحقيقة الانسحاب الأمريكي من سوريا وماهي أبعاده ؟
حتى هذه اللحظة لم تتضح طبيعة الانسحاب الأمريكي هل هو جزئي كما حصل اليوم بعد انسحاب نقطتي مراقبة من منطقة «راس العين» وكذلك منطقة «تل ابيض» أو انه سيكون انسحابا كليا باتجاه العراق .
من جانب آخر ترامب يريد ترجمة وعوده الانتخابية قبل الدخول في موسم الانتخابات القادمة سعيا منه لتجديد عهدته، واشنطن تسعى في نهاية الأمر الى تحقيق أهدافها ونشر الفوضى في الشمال الشرقي السوري لعرقلة أية حل سياسي يحقق أو يعيد السيادة للدولة السورية .