ما اعتبرته أنقرة عمليّة اغتيال مُمنهجة استهدفت طاقمها الدبلوماسي. ويرى مراقبون أنّ المرحلة المقبلة ستشهد ردّا تركيا قد يصل حدّ شنّ هجوم عسكري وغارات جويّة ضدّ مواقع الـ«بي كا كا» في المنطقة مما سيزيد من تفجّر الأوضاع بين السلطات التركية وهذه الجماعات الكردية المسلّحة.
وارتفعت حصيلة قتلى الهجوم المسلح الذي أودى بنائب القنصل التركي في أربيل، كبرى مدن كردستان العراق، إلى ثلاثة بعدما فارق شخص آخر الحياة متأثراً بجروحه، أمس الخميس.وقتل نائب القنصل التركي ومرافقه أمس الأول في هجوم مسلح استهدف القنصل وموظفي القنصلية، عند تواجدهم في أحد مطاعم أربيل، وفق مصدر في الشرطة.
وانتقدت حكومة إقليم كردستان بإدانة هذا «العمل الإجرامي»، مؤكدة أنّها «تجري التحقيقات والمتابعات الجدية من أجل القبض على المنفّذين وإنزال العقوبات القانونية بحقهم».وتوعدت أنقرة التي تمتلك قواعد عسكرية بشمال العراق، بـ«الردّ المناسب» على هذا الاعتداء.ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها على الفور عن الهجوم، الذي وقع في شمال العراق، حيث يتواجد متمردون أكراد إيرانيون وأتراك.لكن المتحدث باسم الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ديار دنير نفى أن يكون للحزب علاقة بالهجوم.
ويُعدّ الصراع بين تركيا والأكراد بمختلف مكوّناتهم سواء في سوريا أو العراق صراعا أزليا وجوديا ، إذ تعتبر أنقرة أنّ مساعي الأكراد لتأسيس دولة مستقلة على حدودها هو تهديد جاد لأمنها القومي .وتصنّف السلطات التركية جماعة الـ»بي كا كا’’ على قائمة التنظيمات الإرهابية ،وتشنّ تركيا منذ عقود طويلة غارات جوية ضدّ المواقع الّتي تتمركز بها القوات التابعة لهذا التنظيم سواء داخل تركيا أو في العراق وسوريا .
صراع دائم
ولطالما ساد التوتر العلاقات بين البلدين خاصّة فيما يتعلق بالوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية ، إذ تعتبر أنقرة دورها العسكري في العراق إلزاميا لمواجهة خطر الأكراد المُتمركزين قبالة حدودها خصوصا في إقليم كردستان. تركيا إلى جانب إيران (التي تدعم الحشد الشعبي وهي مجموعات مسلحة ذات غالبية شيعية) تلعبان دورا واضحا للعيان في العراق ولئن كانت الأسباب مختلفة إلاّ أنّ المشترك بينهما هو خلقهما لحرب بالوكالة أرضيتها العراق ماجعل بغداد تعاني من تجاذبات ميدانية وإقليمية حادة .
هذا التصعيد بين أنقرة وجماعة «بي كا كا» يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة العربية متغيّرات عميقة تدلّ على قرب حدوث اختراق في ملفات حيوية تحتاج تسوية عاجلة منذ سنوات يزيد من تأجيل فرص التسوية سواء في الملف السوري أو غيره من الملفات التي تقف دول المنطقة عاجزة أمامها .
وسبق أن أثارت مسالة الدور العسكري التركي في إقليم كردستان غضبا عراقيا إذ اعتبرت السلطات العراقية آنذاك أنّ وجود القوات التركية غير مُرحّب به، باعتبار أنها عرقلت الجهود العراقية في محاربة تنظيم «داعش»الإرهابي.
وتزايد الخلاف ليصل إلى أزمة دبلوماسية بعد أن أرجعت تركيا وجودها العسكري في العراق إلى سعيها لـ«تحقيق الاستقرار، بناء على طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني وذلك لتدريب القوّات المحلية».
يشار إلى أنّ القوّات التركية موجودة في معسكر بعشيقة في محافظة نينوى العراقية، إذ يتمّ فيه تدريب القوات التركية إضافة إلى عناصر تركمانية وعربية وكردية، فضلًا عن تولي بعضها حماية المنطقة التي يتم فيها التدريب ، ويضم المعسكر عسكريين أتراكا من أجل تدريب قوات من «البيشمركة» وعناصر محلية بناء على طلب سابق من الرئيس بارزاني وفق تصريحات تركيّة. وقد عاد المعسكر إلى الواجهة بعد نقل جنود أتراك إليه في ديسمبر 2015، إذ استبدلت الوحدات التركية الموجودة في بعشيقة قواتها، وتمّ إرسال 150 جندياً إضافياً برفقة 25 دبابة إلى المنطقة، إلاّ أنّ الحكومة العراقية أصرّت على سحب تلك الوحدات معتبرة أنها انتهاك للحقوق السيادية للبلاد.
وخضعت العلاقات التركية - العراقية منذ سنوات لنتائج الاستقطاب الطائفي الذي ساد المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين واستلام أحزاب الإسلام السياسي ذات التوجهات الطائفية الحكم في العراق، ولجوء كل منها إلى الخارج « الشيعية منها إلى إيران» و»السنية منها إلى تركيا والسعودية»، وهو ما أدخل المنطقة في أتون حرب طائفية معلنة أحيانا وغير معلنة أحيانا أخرى.