جديد خسرت فيه الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية الأغلبية التي كانت تتمتع بها منذ 1979 والتي حكمت تقاسم السلطة في بروكسل والسيطرة على استراتيجيات الإتحاد الأوروبي. و سوف تجد هذه الأحزاب نفسها أمام حتمية التحالف مع أحزاب و كتل برلمانية مدافعة عن المشروع الأوروبي لتكوين أغلبية جديدة مقابل تنازلات سياسية سوف تتمحور حول موضوعي الدفاع عن المناخ و القدرة الشرائية للأوروبيين.
النتائج النهائية أشارت يوم الأحد إلى تقدم نسبي للشعبويين والقوميين ، خلافا للطوفان الذي تنبأت ب مؤسسات سبر الآراء، و صعود ملحوظ للخضر خاصة في ألمانيا و فرنسا اللتين تعتبران محور القرار في أوروبا. تزامن ذلك مع استفاقة للناخب الأوروبي الذي أقدم على صناديق الاقتراع في عدد من البلدان الأوروبية الهامة بنسبة فاقت انتخابات 2014.
صعود القوميين
وإن نجحت بعض الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة في بعض البلدان في تقدم قائمة الأحزاب ونيل نسب هامة فإن ذلك لن يمكنهم من تغيير التوازنات العامة في البرلمان الأوروبي.لكن عدد النواب القوميين سوف يؤثر على بعض القرارات القادمة. في المجر تمكن حزب رئيس الحكومة فيكتور أوربان من الحصول على 56 % من الأصوات في حين اصبح حزب رابطة الشمال أول حزب في إيطاليا و اكتسح ماتيو سالفيني المشهد بتحقيق 33،34 % بعيدا أمام الحزب الديمقراطي اليساري. في بريطانيا أكد حزب نايجل فراج نية البريطانيين الخروج من أوروبا بمنحهم «حزب البريكست» 33 % من الأصوات . أما في فرنسا فتقدمت مارين لوبان (4،23 %)على حزب الرئيس ماكرون (3،22 %) مؤكدة ترسيخ عرضها السياسي في المشهد السياسي الفرنسي. و تمكنت الأحزاب القومية من الحفاظ على تقدمها في النمسا (5،34 %) و بولندا (42 %) مؤكدة على تحول الرأي العام فيها نحو استقرار اليمين في السلطة بالرغم من الأزمات المفتوحة مع بروكسل في شأن احترام المواثيق الأوروبية. لكن حصول مجمل الأحزاب المتطرفة على 115 مقعدا لن يكفيهم لتغيير موازين القوى داخل البرلمان.
استقرار الثنائي الألماني الفرنسي
بالرغم من حداثة عهده و من الأزمة المفتوحة مع «السترات الصفراء» منذ 6 أشهر، تمكن حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الصمود بحصوله على 3،22 % من الأصوات و بتفكيك حصون باقي الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار التي أدارت الشأن العام منذ أكثر من أربعين سنة. ويحل محل ذلك استقطاب جديد بين «الأوروبيين التقدميين» الذين أرادهم ماكرون و«التجمع الوطني» لمارين لوبان سوف يتمحور حول مستقبل المشهد في فرنسا. وهو ما يدعم الثنائي الفرنسي الألماني الذي هو عماد الإتحاد الأوروبي.
من ناحيتها تمكنت المستشارة أنجيلا ميركل من الحفاظ على أسبقية حزبها بحصوله على 7،28 % مع خسارة أكثر من 6 نقاط مقارنة بانتخابات 2014. لكن تقهقر حليفها الإشتراكي في الحكومة (6،15 % ، بخسارة 11 نقطة) يضعفها في تحركاتها المستقبلية على المستوى الأوروبي. الثنائي الفرنسي الألماني سوف يعتمد على 324 مقعدا للأغلبية المتكونة من أحزاب اليمين و الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية لتكوين أغلبية مريحة مع كتل برلمانية تدافع على أوروبا.
انتعاشة الخضر و انسحاب الأحزاب التقليدية
النتائج النهائية أظهرت تقدما ملحوظا للخضر في ألمانيا أين سجلوا 7،20 % و أصبحوا الحزب الثاني على المستوى الوطني. في فرنسا تمكن يانيك جادو الزعيم الجديد لحزب الخضر الأوروبيين من تحقيق 4،13 % من الأصوات والتربع على المرتبة الثالثة في قائمة الأحزاب. في فنلندا تحصل الخضر على 15 %. أرقام تمكن كتلة الخضر في البرلمان من لعب دور حساس في تشكيل الأغلبية الجديدة وتمرير المشاريع المدافعة على اتفاقية باريس كوب 21 وتكريسها في سياسات أوروبية تعمل على التحول الإيكولوجي والحد من الاحتباس الحراري.
في المقابل كرست الإنتخابات تقهقر الأحزاب التقليدية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا واسبانيا وغيرها من البلدان الأوروبية. من ذلك أن سجل كل من الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين في فرنسا هزيمة تاريخية بحصولهما على أقل من 10 % من الأصوات وهو حدث لم يحصل في تاريخها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. بحصوله على 6 % يمكن القول أن الحزب الاشتراكي الفرنسي قد اندثر من المشهد والتحق به حزب جون لوك ميلونشون «فرنسا الأبية» الذي لم يفلح في استغلال انتفاضة «السترات الصفر» التي شارك فيها مدة 6 أشهر دون أن يترجم ذلك على مستوى النتائج الانتخابية. في ألمانيا تقهقر كذلك الحزب الاشتراكي و مني بهزيمة تاريخية بحصوله على 6،15 % مسجلا بذلك أكبر هزيمة في تاريخه مما يقلص من نفوذه في التحالف الحكومي و يدخل ارتباكا في صفوفه بين شقين مختلفين على المشاركة في الحكومة. و على غرار ما حصل في فرنسا أين تقهقر حزب الجمهورين إلى 8 % من الأصوات حصل الحزب الشعبي (اليميني) في اسبانيا على 20 % بعيدا عن الحزب الإشتراكي الذي أصبح أول حزب اشتراكي على المستوى الأوروبي.
استفاقة الاشتراكيين في هولندا والبرتغال واسبانيا وإيطاليا تعطي أملا للثنائي الألماني الفرنسي في قيادة مرحلة جديدة من تاريخ أوروبا خاصة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحامل لراية الإصلاح الأوروبي كان قد نسق مع رئيس الحكومة الإسباني في السابق في خصوص مرحلة ما بعد الانتخابات التي تبدأ مباشرة بإعادة انتخاب المفوضية و رئيسا ورئيس البرلمان ورئيس المجلس. وهي مناصب هامة في قيادة المشروع الأوروبي الذي دخل منعرجا حاسما في تاريخه.