إيران والتحولات الداخلية والاقليمية

يعيش الايرانيون على وقع الذكرى الأربعين لثورتهم التي اطاحت سنة 1979 بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، هذه الثورة التي

لم تغير فقط نظام الحكم الملكي في هذا البلد ، بل حولت ايضا مجرى العلاقات بين الولايات المتحدة وايران من الدفء والتقارب الى العداوة والصراع ...
منذ 16 جانفي من عام 1979 تاريخ مغادرة الشاه محمد رضا بهلوي ايران وعودة الزعيم الايراني آية الله الخميني من منفاه الباريسي وبعد انتصار الثورة الايرانية ، بدأ مسار جديد من الاضطراب في العلاقات بين طهران وواشنطن.
واليوم بعد مرور اربعين عاما على هذا الحدث ، لا يزال الصراع بين البلدين على أشده بل يمكن اعتبار ان الصراعات الكبرى الدائرة في المنطقة- هي في جزء منها- احدى اوجه الصراع بين ايران من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة اخرى..

من الجمود ..الى الاتفاق النووي
وضع الرئيس الامريكي جورج بوش الاب عام 2002 ايران في ما سماه بـ«محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية وذلك بسبب سياسات ايران المناهضة لامريكا ..وفي عهد الرئيس الامريكي باراك اوباما شهدت العلاقات تحولا بارزا ، مع محاولة الاخير كسر هذا الجمود فدخلت الولايات المتحدة في مفاوضات مع ايران بمشاركة الصين، روسيا، ، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا من 26 مارس لغاية 2 افريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية من أجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام. وتم التوصل في افريل من عام 2015 الى توقيع اتفاق تاريخي بين ايران والغرب . وجاء هذا التفاهم لينهي ازمة استمرت حوالي 12 عاما ومن ابرز بنوده رفع العقوبات الامريكية والاوروبية عن طهران.

مع مجيء الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى الحكم في البيت الابيض ، عرفت العلاقات تحولا آخر ، اذ اعلن ترامب في ماي من عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية على النظام الإيراني..وقد وضع هذا القرار امريكا في مواجهة مباشرة مع الاوروبيين ، اذ اعرب الاتحاد الاوروبي عن دعمه الكامل للاتفاق النووي، داعيا جميع أطراف الاتفاق إلى تجنب أي تصعيد ..وقد القى هذا العداء بين ايران والولايات المتحدة بثقله على الملفات الهامة في المنطقة في مقدمتها الملف العراقي والأزمة السورية ، اضافة الى لبنان .. وقد اعتبر البعض ان اعلان الولايات المتحدة انسحابها من سوريا هو بمثابة انتصار لايران وحلفائها في المنطقة ..

الرقم الصعب
رغم الحصار المفروض على البلاد ، تحولت ايران الى رقم صعب في المنطقة محققة قفزات نوعية في عديد الميادين، الامر الذي وضعها في مصاف الدول المتقدمة وذلك من خلال الاعتماد على سياسة “ الاكتفاء الذاتي”والتصنيع والابتكار في كافة المجالات بدلا من سياسة الاستيراد والتبعية الاقتصادية للخارج .. فتمكنت طهران من الوصول الى نسبة 95 بالمائة من الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأدوية و الاحتياجات الصحية. واليوم تحتل الجامعات الايرانية المرتبة العلمية الثامنة في العالم، مع اكثر من 4 ملايين طالب..كما نالت سنة 2017 المرتبة 15 عالمياً في مجال نشر الأبحاث والمقالات العلمية إلى جانب نيل المرتبة الأولى في مجال هامش التطوّر العلمي في العالم. ورغم العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على الجمهورية الايرانية طوال الاعوام الماضية ، الا انها تمكنت من الوصول الى المرتبة 18 عالمياً. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ الاقتصاد الإيراني سنة 2021 المرتبة 15 عالمياً.

وقد ساعد ايران في تحقيق هذا التقدم موقعها الجيواستراتيجي الحساس وتمتعها بثروات طبيعية هائلة ، اذ تحتل المرتبة 13 عالمیاً في إنتاج المواد الفولاذية الاستراتيجية عدا عن احتوائها على ثروة نفطية وغازية هائلة . هذا التقدم الاقتصادي ترافق مع تطور علمي وتكنولوجي ، اذ تعدّ إيران من الدول المتقدّمة في مجال العلوم الفضائية؛ حيث تتبوّأ المرتبة العاشرة عالمياً في مجال المشاريع والدراسات ومجال صناعة وإرسال الأقمار إلى الفضاء. وتعدّ ايضا من ضمن تسع دول في العالم، تمتلك الدورة الكاملة للصناعة النووية في مجالات اكتشاف واستخراج الأورانيوم وإنتاج الكعكة الصفراء وتبديلها إلى الأورانيوم UF6 واستعماله في إنتاج الطاقة النووية. وقد حقّقت الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. كما تصنف ضمن ثلاث عشرة دولة في العالم قادرة على تخصيب الأورانيوم.

تفوق عسكري
تواجه ايران تحديات كبرى في ظل الازمات الدائرة في المنطقة ورغم ذلك ، فان التوق للتفوق العسكري والتكنولوجي يعتبر الهاجس الاول لدى قادة هذا البلد بالنظر الى تعدد الخصوم الاقليميين والدوليين.. وجاء اعلان القائد العام للجيش الإيراني لشؤون العمليات، الأدميرال محمود موسوي، أن بلاده ستزيد في القريب العاجل مدى صواريخها في مجال «ساحل - بحر» لأكثر من 300 كم، ليلفت النظر الى التفوق العسكري الايراني، وهو ما يجعل من طهران قوة عسكرية وسياسية يحسب لها الف حساب في منطقة مثقلة بأزماتها وحروبها ..

فإيران باتت قوة إقليمية لها حضورها ولاعب اساسي في النظام العالمي وهي رقم صعب في الحرب الاقتصادية الناعمة الدائرة بين القوى الكبرى في العالم ..

ان كل هذا التقدم التكنولوجي والعلمي والعسكري ، لا يخفي ايضا وجود ازمات معيشية اجتماعية شهدتها البلاد خلال الاعوام الماضية بسبب الحصار المفروض ..مما دفع عديد الشرائح الاجتماعية الى الخروج في مظاهرات تنديدا بالوضع الاقتصادي الصعب ..ولئن تمكنت الحكومة الايرانية من تطويق هذه الازمة الاجتماعية الداخلية في عديد المراحل، الا ان هناك ازمات خارجية لا تزال تنتظر الحسم النهائي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115