البابا فرنسيس في زيارة تاريخية للإمارات العربية المتحدة: الحوار بين الأديان لدعم السلام

قام البابا فرنسيس بين 2 و 5 فيفري بزيارة تاريخية لأبو ظبي ،عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعوة من ولي العهد

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي كان أول مسؤول خليجي رفيع المستوى يزور الفاتيكان عام 2016. و شارك البابا فرنسيس في مؤتمر دولي للحوار بين الأديان حول موضوع الأخوة الإنسانية أقيم بهذه المناسبة مع أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف و عدد من المسؤولين الدينيين من مختلف بلدان العالم.
و صرح الفاتيكان قبل الزيارة أن البابا فرنسيس يريد «فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الأديان» وقد سبق أن زار عدة مرات دولا مسلمة، مثل تركيا في 2014 واذربيجان في 2016 ومصر في 2017. و سوف يزور المغرب يومي 30 و 31 مارس القادم. هذه الزيارات تدخل في إطار «الدبلوماسية الإسلامية» للفاتيكان الذي بدأت تتأقلم مع متغيرات الوضع في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال منذ 1990 مسرحا للحروب و النزاعات و مرتعا للإرهاب و العنف.

قداس تاريخي في الجزيرة العربية ، مهد الإسلام
في برنامجه ، زار البابا الاثنين مسجد الشيخ زايد في أبوظبي قبل أن ينتقل يوم الثلاثاء إلى كاتدرائية القديس يوسف في العاصمة الإماراتية. و نظم الفاتيكان قداسا خاصا في مدينة زايد الرياضية شارك فيه 120 ألف مسيحي من المقيمين في منطقة الخليج عدد منهم قدم من عمان و اليمن. و تحتضن دولة الإمارات قرابة المليون مسيحي من مختلف الجاليات الآسيوية . وهذه أول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي الست واليمن، يحيي فيها حبر أعظم قدّاسا ضخما. .

دولة الإمارات كمثال
هذا الحدث التاريخي لم يكن ممكنا بدون الدور الفعال الذي يلعبه ولي العهد محمد بن زايد في بلورة دبلوماسية جديدة تؤسس لمقاومة الإسلام السياسي و الإرهاب بالتعاون مع المملكة العربية السعودية و مصر. وتهدف بالأساس إلى مواجهة حركة الإخوان المسلمين و من يساندها في المنطقة العربية.
الهدف غير المعلن من زيارة البابا فرنسيس هو الحد من تأثير الإخوان المسلمين على مشروع الحوار بين الأديان الذي فتحه البابا يوحنا بولس الثاني في ثمانينات القرن الماضي في مؤتمر أسيزي شمال إيطاليا والذي تبعته زيارات البابا إلى المغرب وتونس و عدد من البلدان الإسلامية الأخرى. و كانت حركة الإخوان المسلمين بقيادة الداعية يوسف القرضاوي قد شاركت عبر لقاءات «سانت إيجيديو» في روما في تشكيل شبكة تأثير داخل الكنيسة الكاثوليكية لدعم إيديولوجيتها المناهضة للإسلام الوهابي.

مع تغير الأوضاع الإقليمية و دخول دول «التحالف العربي الإسلامي» بقيادة السعودية و الإمارات أساسا في «حرب ضد الإرهاب» ، تحركت أبو ظبي لعزل الإخوان المسلمين من مناطق النفوذ والتأثير في مختلف المؤسسات في العالم بما فيها الفاتيكان. و بدأ الفاتيكان يتأقلم مع هذه السياسة، خاصة بعد دخول مصر معركة القضاء على الإخوان. في هذا الإطار أشاد البابا بالسياسة المنفتحة والمتسامحة، والتي تحترم الغير وحرية ممارسة الأديان، التي تنتهجها الامارات، واعتبرها مثالاً يحتذى .

وتنفرد الامارات التي تجمع على أرضها أكثر من 200 جنسية بوزارة التسامح الديني يتقلدها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان. وتوجد في الإمارات كافة الكنائس المسيحية، منها الشرقية مثل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والأرثوذكسية المشرقية، والكنائس المسيحية الغربية مثل البروتستانتية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ويعيش نحو مليون كاثوليكي، جميعهم من الأجانب، في الإمارات حيث توجد ثماني كنائس كاثوليكية، وهو العدد الأكبر مقارنة مع الدول الأخرى المجاورة (أربع في كل من الكويت وسلطنة عمان واليمن، وواحدة في البحرين، وواحدة في قطر).

«وثيقة الأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ»
المشاركة الفعالة للأزهر الشريف في «مؤتمر الأخوة الإنسانية»، و «تغييب» الرافد الوهابي من الصدارة يهدف إلى إعطاء وجه معتدل للتحرك الخليجي. و كان شيخ الأزهر لاعبا أساسيا في الحوار مع الفاتيكان لمدة سنوات. و توج هذا العمل بإعلان أبو ظبي ، تحت شعار «وثيقة الأخوة الإنسانية»، الذي تم توقيعه من قبل البابا فرنسيس و أحمد الطيبي و الذي شمل المبادئ الأساسية المشتركة الذي وجب على الطرفين المسيحي و الإسلامي التحرك من أجلها. هكذا يصطف الفاتيكان مع الأزهر في دعوة «أن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ دليلًا للأجيالِ القادِمةِ، يَأخُذُهم إلى ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَلِ».

و جاء في الوثيقة أن الطرفين يطالبان «قادَةَ العالَمِ، وصُنَّاعَ السِّياساتِ الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ، بالعمَلِ جدِّيًّا على نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْرًا لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ، ووَقْفِ ما يَشهَدُه العالَمُ حاليًّا من حُرُوبٍ وصِراعاتٍ وتَراجُعٍ مناخِيٍّ وانحِدارٍ ثقافيٍّ وأخلاقيٍّ.»

و توجهت َالوثيقة « للمُفكِّرينَ والفَلاسِفةِ ورِجالِ الدِّينِ والفَنَّانِينَ والإعلاميِّين والمُبدِعِينَ في كُلِّ مكانٍ ليُعِيدُوا اكتشافَ قِيَمِ السَّلامِ والعَدْلِ والخَيْرِ والجَمالِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ، وليُؤكِّدوا أهميَّتَها كطَوْقِ نَجاةٍ للجَمِيعِ، وليَسعَوْا في نَشْرِ هذه القِيَمِ بينَ الناسِ في كلِّ مكان.» و أكدت على مبادئ الحرية الدينية والمساواة و المواطنة لنبذ العنصرية و الذمية . و أفرزت حيزا للدفاع عن حقوق المرأة و النداء إلى حمايتها من العنف و المتاجرة و الدفاع عن الأطفال و العجز و الفقراء و مقاومة العنف والإرهاب.

وتندرج هذه الوثيقة في مشروع « تحيين « مفهوم الحوار بين الأديان الذي بدأه يوحنا بولس الثاني من منطلق كوني شاركت فيه كل الديانات بدون استثناء في «لقاءات أسيزي». لكن الاستقطاب الحاصل اليوم الذي فرضه الإرهاب على الساحة الدولية جعل المؤسسات الدينية المعنية تتجه نحو بلورة مشروع مشترك ،في أبعاده الدينية و السياسية و الثقافية، يكون «معتدلا» و متماشيا مع روح القيم الكونية المعترف بها في الأمم المتحدة يعطي القوى الدولية المشاركة في الحرب على الإرهاب سندا روحيا غاب مع الصراع السني الإخواني في السنوات الأخيرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115