قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي ثائر عبطان حسن لـ«المغرب» أنّ اتخاذ مثل هذا القرار الأمريكي بالانسحاب تزامن مع اتصال هاتفي مطول بين رجب طيب اردوغان و دونالد ترامب ، أعقبهُ عقد صفقة شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي «باتريوت» بقيمة تزيد عن ملياري دولار أمريكي . وأضاف ان هذا الانسحاب من سوريا عمّق الإنقسام الكبير داخل المؤسسات السياسية والعسكرية في أمريكا.
• ماهي رؤيتكم للانسحاب الامريكي من سوريا ؟
خبر انسحاب القوات الأمريكية من سوريا جاء صادما للجميع دون استثناء كونه يحمل في ثناياه العديد من التناقضات التي لا يمكن تفسيرها حتى من داخل أروقة المؤسسات الأمريكية المسؤولة عن اتخاذ القرارات المصيرية الهامة .
فهذا القرار العسكري بإمتياز لم يصدر عن وزارة الدفاع الامريكية « البنتاغون « بل جاء من البيت الأبيض ، وسرعان ما أعلن مسؤولون في البنتاغون عن استغرابهم لمثل هذا القرار الذي نزل عليهم كالصاعقة من حيث توقيتهِ ومن حيث مطالبتهم بتنفيذ هذا الإجراء بأسرع وقتٍ ممكن ، وجميع الدلائل تشير هنا ان وزارة الدفاع غير راضية عن هذا القرار جملة وتفصيلا .. وهذا ما يعبر عن تعمق الإنقسام الكبير داخل المؤسسات السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة والذي حصل بعد مجيء ترامب للسلطة .
وفِي الوقت الذي يشكك الكثير من المراقبين بالقرارات الامريكية والتي لا يمكن الوثوق بها او التأكد من صحتها لحين تنفيذها على الأرض ، فإنّي أرى أن جديّة تنفيذ هذا القرار يمكن الاستدلال على صحتها خلال اليومين القادمين المقررين كمهلة لانسحاب كافة الدبلوماسيين وموظفي وزارة الخارجيّة من الأراضي السورية وعددهم بالآلاف ، وتأتي أهميّة دورهم كونهم من يقوم بتوزيع الأسلحة والذخيرة والأموال على المجموعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة علاوة على الدعم اللوجيستي لهذه المجموعات . وعليه ، فإنّ انسحاب موظفي الخارجية في غضون يومين حسب ما نصه قرار الانسحاب لها ، بالضرورة سيعني انسحاب القوات العسكرية خلال 60-100 يوما المُقرّرة لها.
• برأيكم هل يعد هذا الانسحاب الامريكي انتصارا للأسد؟
الأسد إنتصر مُنذ دخلت القوات الروسية بثقلها الجوي والبحري والبري على الأرض السورية قبل أكثر من سنتين، وقرار الإنسحاب الأمريكي جاء إستكمالا للنصر السابق لما يتركه من أثر في تراجع المجموعات المسلحة وانهيارها، وكذلك تسريع سبل الحل السياسي بعد تراجع الخيارات العسكرية .
التناقضات المثيرة للريبة لقرار الانسحاب الأمريكي تكمن في نص الأهداف التي تضمنتها أسباب اتخاذ القرار . فقد جاء في مضمون القرار بأن الأهداف التي أرسلت من اجلها القوات الأمريكية الى سوريا قد تحققت ، وآن الأوان لرجوع الجنود الأمريكان الى وطنهم ولَم يذكر القرار سوى هزيمة داعش ، في حين ان الساسة الأمريكان والقادة العسكريين، ودبلماسي خارجيتهم لم يتوقفوا يوما عن التصريح بأهم هدف لتواجدهم في سوريا وهو تحديد وتحييد النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق بعد ان وصل قريبا وعلى بعد بضعة مئات من حليفتهم المُدلّلة اسرائيل . والهدف الآخر الذي لم يترددوا في التصريح به دوما هو عدم السماح لبشار الأسد في البقاء في السلطة ، وهذا ما لم يحدث أيضا .
• ماهي برأيكم أسباب هذا القرار المفاجئ والذي جاء رغم معارضة الداخل الأمريكي؟
أقرب تفسير لاتخاذ مثل هذا القرار وفي هذا الوقت بالذات وتزامنهُ مع اتصال هاتفي مطول بين اردوغان وترامب، أعقبهُ عقد صفقة شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي «پاتريوت» بقيمة تزيد عن ملياري دولار أمريكي ، هو مقايضة هذا الانسحاب بصفقة تدر ربحا مضموناً ، خير من انسحاب مؤجل سيكون بلا شك مصحوبا بهزيمة مُذلّة من قبل خصم عسكري أصبح متعدّد الأطراف « تركيا - ايران - روسيا»، وهذه القوى العنيدة والصلبة التي يعرفها الأمريكي قبل غيره توحدت في ارادتها وعزمها على مواجهة آخر معاقل المسلحين ومن يدعمهم والنصر ، كل لغرض يَصبّ في مصلحة بلدهِ وأمنهِ القومي سواء تركيا او ايران او روسيا ، وكل ذلك يَصبّ في صالح الرئيس الأسد الذي انتظر طويلا تحقيق هذه الخطوة الكبرى ، وها هي ربما تكون قد جاء أوانها دون عناء منه او من قواته العسكرية في حال تحقيقها .
• هناك من اعتبر هذا الانسحاب ضربة قاصمة للأكراد واقصد قوات سوريا الديمقراطية، ماتعليقكم ؟
الصدمة الكبرى لقرار الانسحاب الأمريكي بدت واضحة بشكل كبير على وحدات الحماية الكردية العاملة ضمنا مع قوات سوريا الديمقراطية واعتبرتها طعنة في الظهر ، جاء ذلك على الاعلام المرئي من خلال تصريحات اكثر من مسؤول عسكري فيها ، وأشادوا بموقف البنتاغون الرافض لهذه الخطوة على حد قولهم .. لأنهم يعلمون بأن قواتهم ستكون بين مطرقة القوات التركية وسندان الجيش النظامي السوري .. وذلك سيدفعهم بالتأكيد للجوء الى الحوار مع الحكومة السورية وتقديم التنازلات المُذلة التي لم تقدمها في السابق ، وهذا الخيار المُر سيكون احلى لهم من مطرقة السلطان التركي .