على سكته، وهل سيجمع الفرقاء لكلمة سواء، وهل سنشهد تحسناً وتوحداً لمؤسسات الدولة، واعادة المسارات العسكرية والامنية والاقتصادية؟ أو سيكون كباقي المؤتمرات التقليدية، وينتهي ببيان هزيل وغير مقنع، ومعبر عن طرف دون طرف آخر. أيضا، وفي ظل المنافسات الأوروبية، هل سيكون هذا المؤتمر موجها لتحديات أوروبية وبالتحديد تحديات إيطالية فرنسية للهيمنة وبسط النفوذ تجاه ليبيا وما ورائها ؟، أم هي نقلة أخرى تحاول السياسات الخارجية الإيطالية من خلالها توجيه رسالة للولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أحقية تسلم الملف الليبي (التفويض) وكسب التأييد وسحب البساط من تحت اقدام الفرنسيين؟، وهل سيكون الفاعل الفرنسي ناصحاً ومؤيداً، وفي كل حالاته، ما هي الضمانات الإيطالية لباريس لتأكيد وتفعيل مصالحها ودعم توجهها وبالأخص في الجنوب الليبي وحربها ضد مالي؟
كل هذه التساؤلات والتحديات ستلقي بظلالها على أعمال المؤتمر الباليرموي!
الحيادية أم الازدواجية
التنازع بين الشرعيات أصبح المهيمن بصفة قوية على كافة الصراعات السياسية والاقتصادية بداخل وخارج ليبيا وبين دول أعضاء بالأمم المتحدة، ولم يستقر بعد أو يتقدم او يطرح بدائل أنسب ومعالجات أعمق. كانت ولا تزال السلطات الإيطالية وسياستها الخارجية تجاه ليبيا تعمل وفق منظومتها الخاصة بدعم أطراف محددة، دعماً نستطيع وصفه بأنه تعدى الدعم الطبيعي واللوجستي، بل أصبح دعماً وتدخلاً ومشاركة، كما علّقت روما آمالاً ودعمت من خلالها جماعات سياسية وعسكرية لبسط النفوذ والإرادة على مكامن ومصادر القرار، فالاستقرار المتوسطي والهجرة غير القانونية، وشركات الطاقة وبالأخص النفط والغاز، كلها تشكل مصير واتجاهات مستقبل العلاقات الاورومتوسطية، كما تعزز مواقف التفاوض المستقبلي للشريك الأوربي مع ليبيا.
لا شك، بأن الملف الليبي والصراع السياسي القائم يقود في بواطن ممارساته الى الهيمنة على السلطة و/ أو البحث عن أنسب وأنجع السبل للمحافظة عليها من خلال الانخراط في سلسلة من التوافقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهو ما قد تكون قد توصلت اليه الاستراتيجية الايطالية المستحدثة، وبالأخص بعدما استنفذت الكثير من الوقت والجهد والدعم السلبي، معتبرة (اذا ما افترضنا حسن النوايا) أن الحل الأقرب الحالي يكمن في تقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول لتوحيد المؤسسات وإيقاف الحرب الدائرة والانفصال المرتقب، ومكافحة الإرهاب وحماية الاراضي الأوربية من الهجرات المتدفقة تجاه شمال أوربا.
لقاء الفرقاء مجدداً
شهد الملف الليبي صراعا دولياً منذ الإطاحة بالنظام السابق، حيث فشل في تحقيق المستهدف تحت مظلة الحماية الدولية، غير أننا مؤخراً نشهد موقفاً تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية «تفويض صلاحيات الدول» فهو منهج مغاير لمفهوم الوصاية، وهو ما نتوقعه ضمن مرتكزات المؤتمر القادم، كما يدفعنا للتأكيد على عمق الخلافات الأوربية وتفتت قرارها، وبالأخص بعد خروج المملكة المتحدة «بريكست»، وما نشهده حاليا من خلال الصراع الفرنسي الإيطالي تجاه القضية الليبية.
نجد التطور (التأخر واقعاً) الليبي فـي سنوات تلت الثورة الليبية، ليس ما يطمح اليه الليبيون ولم يعد متاحا، وهو ما تعكسه الحالة الليبية في الواقع الداخلي، وانعكاسات أخرى سلبية على دول الطوق والجوار وحوض المتوسط. كما تبين كل القراءات أنّ الحالة الليبية تنحدر نحو مزيد من الإرباك، وهو ما يهدد الوحدة الوطنية، كما أنه يمثل مصدر قلق لمحيطها الإقليمي وشمال المتوسط.
في ظل كل هذا،فإن إستباق رئيس الوزراء الإيطالي بزيارته الولايات المتحدة في 30 جويلية 2018، لمنحه حقوق « التفويض» سيؤثر سلباً بالطبيعة علي دفع الملف القانوني الليبي لجمهورية فرنسا، كما سيعمل علي خلط أوراق المصالح المختلفة بين الطرفين، فنجد التحمس الإيطالي، مقابل التأني الفرنسي، كما نجد التحيز الإيطالي في دعم السلطة التابعة للأمم المتحدة أقرب من تفاهماته مع مجلس النواب الليبي الشرعي، في غياب توجه واضح لجمهورية فرنسا تجاه الحل الأمثل للقضايا العالقة، مما سينعكس على الأداء الليبي بالقمة القادمة.
ويشار الى ان هناك ثلاثة محاور أساسية تواجه أعمال قمة باليرمو؛ المحور الأول، اجتهاد القمة الإيطالية لمحاولة إرساء الاستقرار السياسي الأمني الليبي، في خطوة يقظة ومميزة لتولي المهام والتفويض المزعوم، كما ستحاول انتزاع وافشال كافة المخططات والبرامج التي تم ارساؤها بقمة باريس.
المحور الثاني، تفرض مجريات الأحداث، على الأطراف الليبية المتنازعة، وضع خطط بديلة ورسم استراتيجية توافقية، في ظل مجتمع دولي مترقب وذلك لعرقلة توغل أممي قادم، او تفويض مزعوم، او صراع اوروبي محموم، قد ينتهي أحيانا بإعادة التدخل العسكري ومنح الفرصة الناعمة للتدخل الخشن.
المحور الثالث، سيكون الموقف الفرنسي معارضا، في افضل حالاته، لما سيحدث في القمة القادمة الإيطالية، وستعرقل السياسة الفرنسية كل الترتيبات الإيجابية والتنسيقية في حالة الخروج بنتائج إيجابية او اقتناع الولايات المتحدة الأمريكية بدفع العجلة الإيطالية لتولي الملف الليبي. وتظل ليبيا مرتهنة بظروف خارجية وداخلية وفي انتظار باليرمو لإيجاد الطريق.