منبر: ليبيا... رهانات المستقبل «مسودة الدستور ومشروعية التدخل»

د. محسن ونيس القذافي المستشار الليبي (الجزء الاول)

لا أحد يجادل في أن غياب الديمقراطية، بمختلف مظاهرها، يشكل الآفة التي تتجاذب –بصفة متفاوتة- الحالة الليبية

في وقتها الراهن وعلى مختلف المراحل السياسية الماضية. علينا أن نؤكد الإشكالية التي نمر بها الا وهي « الإنتقال الديمقراطي»، فقد تم إسقاط نظام كامل بكل مؤسساته، ولكن إعادة بنائه أصبحت عائقا للإنتقال والتحول، بل أصبح يشكل هاجس التقسيم وليس التقاسم، وأصبح الخطر يهدد النسيج الاجتماعي والثقافي لمكونات شعبنا الليبي. إن الصراعات السياسية – وبالتبعية الاقتصادية- والتي تتحكم فيها ممارسة سياسية لم ترتق بعد الى مرحلة تأسيس منهج متوافق أو طريق متناسق لتأسيس سلطة تجعلها متوافقة مع متطلبات دولة القانون.
التنازع بين الشرعيات والمشروعيات أصبح المهيمن بصفة قوية على كافة الصراعات السياسية والإقتصادية، ولم يستقر بعد أو يتقدم، واضعا إطارا شرعيا دستوريا لتحديد ملامح القادم وتمكين تحول نستطيع من خلاله التوصل الي صياغات نهائية لشكل الدولة ومؤسساتها، بل أصبحت أجواء الصراعات هي التي توجه الحياة السياسية. أيضا يعني الصراع السياسي القائم في بواطن ممارساته الي الهيمنة علي السلطة و/ أو البحث عن أنسب وأنجع السبل للمحافظة عليها من خلال الإنخراط في سلسلة من التوافقات السياسية والإقتصادية، بدلا من الاهتمام بالتحول الديمقراطي الثقافي والقانوني، والذي يعمل علي تداول سلمي وتنازل عن السلطة والإنخراط في برنامج تحول كامل للدولة من خلال دمج السلطة القانونية بالسلطة السياسية للدولة.

حقبة التردّي
إنتخب الشعب الليبي كيانات تشريعية ودستورية وفق أطر زمنية محدّدة، وقادت منظمة الأمم المتحدة إنشاء كيان جديد تحت مسمى «المجلس الرئاسي»، فانتهت تلك المدد الزمنية، ولم يعد التوافق بين الحاكم والمحكوم يشرعن بقاءها، كما أنها لن تستطيع مد صلاحيتها بمفردها مع استحالة إعادة ترشحها وانتخابها، هكذا يوصف الوضع الراهن «لمجلس النواب الليبي، والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، والمجلس الرئاسي «وفق إتفاق الصخيرات».

حيث دفعت الضغوط الشعبية عام 2011 والقوة الضاغطة الدولية والمحلية والمجتمع السياسي الليبي غير المنظم، المجلس الإنتقالي، لإستعجال مرحلة تأسيسية للإنتخابات، مفتقرة لأدني معايير ثقافية، غير واضحة البني، لم تحدد فيها الشكل العام للدولة المرتقبة، والكثير يصفها بأنها مرحلة من المراحل غير الناضجة على كافة الأوجه السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، كما يعتبرها الكثير بأنها حقبة التردي.

وبدلا من إصدار وثيقة حقوقية «تُحفظ من خلالها الملامح الأصيلة وحقوق الإنسان وحرياته والمبادئ الأخلاقية، وتمهد الطريق السياسي الاقتصادي للدولة، والحفاظ علي وحدة وطنية وعدالة إنتقالية حقيقية، وتضع عناوين أساسية لمستقبل العلاقات الدولية والإقليمية»، لنجد بدلاً من ذلك، إصدار وثيقة في شهر أوت لنفس العام تحت مسمي» الإعلان الدستوري المؤقت»، يحاول من خلالها طمس التاريخ الليبي وحجب الدستور السابق للبلاد، ووضع أطر ومحددات زمنية لا تتناسب وتحديات المرحلة ومستقبل البلاد والتحول الديمقراطي المرتقب.

الازمة الدستورية وفشل التحول الديمقراطي
عندما نتحدث عن تأسيس السلطة السياسية، أو من خلالها ودمجها لتأسيس السلطة الدستورية والقانونية، والذي يعتبر البنية الأساسية لمتطلبات الانتقال الديمقراطي، وفق التطور والإرتقاء والصعود إليها كمرحلة، أو في محاولة لإنقاص ودرء التعثرات، فإننا لا نضيق مفهوم التأسيس في طفرات وقفزات، بل نعمل من خلال حلقات تستكمل بعضها بعضا لتلبية متطلبات الإنتقال الواعي لكافة الفعاليات السياسية والمجتمعية وموائل القدرة، وتتجاوز حدوده تفعيل الديموقراطية لدرء غيابها، إنها حلقات منظمة لتأسيس الثقافة الديمقراطية من جهة والثقافة القانونية من جهة أخرى، مما يفضي إلى تأسيس ثقافة المعارضة الديمقراطية وتقويم الممارسة السياسية المتقاطعة معها.

وتغييبا لهذه الرؤية، تمثل واضحا وجليا الأزمات المتكررة عبر تسلسل الأحداث السياسية والإقتصادية الجارية، ومن ثم الدخول في أزمة دستورية، تتكشف من خلال عجز الوصول الي مسودة وإستكمال مشروع صياغة دستورية تلبي مطامح الشعب الليبي، بل سيصل الحال أحيانا وفي ظل الصراع للعديد من السيناريوهات « غير التوافقية» الى الإحتمالية الأولى: التصويت على المخرجات «المسودة» في جزء من أجزاء ليبيا، في واقع عدم تجاوب الأجزاء الأخرى، أو إحتمالية ثانية، من خلال فرضه دون إستفتاء -كما هو حال فرض ما يسمى بحكومة الوفاق بالرغم عدم مصادقتها من مجلس النواب الليبي-، وهذا وفق منظور خارجي لمحاولة الإصلاح او التدخل، والسيناريو الثالث، هو لن يكون دستور في وقتنا الحالي، وهو الأرجح وقد يكون الأمثل في ظل ظرفنا الحالي، وحتى الوصول لتسوية كاملة وشاملة ، فمهما كانت الدوافع والنتائج، سيظل السؤال الذي يطرح نفسه دائما في إفتراضية الإستفتاء والمصادقة على المسودة، من سيحمي الدستور في ظل الإنقسام العسكري والأمني الحالي؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115